Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
20 août 2010 5 20 /08 /août /2010 00:28

batman-begins-copie-1.jpg.

في داخل كل حركة ثورية هناك تياران يتصارعان.. الأول تيار ذو اتجاه «رأسي» يدعو إلى تغيير الوضع الراهن بالقوة من خلال تصفية الرؤوس المحركة للمجتمع، بينما الثاني «أفقي» يسعى إلى إصلاح شامل هادئ يبدأ من الأسفل، من أصغر عضو ويمتد إلى أن يشمل كل طبقات المجتمع حتى يصل إلى الطبقة العليا التي ستذعن حينها لمطالب التغيير.. وفي مدينة «غوثام» وفي حركاتها الإصلاحية يتجدد الصراع بين هذين التيارين من جهة، وبينها وبين قوى الفساد والظلام من جهة أخرى، وفي كل المواجهات يشع بريق (الرجل الوطواط) الذي اصطدم مع الجميع، مع نفسه، مع زعماء الحركة السرية، مع زعامات المافيا ومع رجال الحكومة المرتشين، وذلك في الجزء الأخير من سلسلة «الرجل الوطواط» والمعنون ب (الرجل الوطواط يبدأBatman Begins).. والذي رغم ضخامة أحداثه وفخامة معاركه، يبدو أكثر منطقية وعمقاً من أي الأجزاء السابقة لسلسلة الرجل الوطواط/باتمان.. لكن قبل الحديث عن هذا الجزء دعنا نستعرض ما نعرفه من معلومات قديمة عن هذه السلسلة، عن مدينة «غوثام»، عن الثري «بروس واين» وعن أعدائه الشرسين غريبي الأطوار الذين سبق له مواجهتهم في ملاحم «باتمان» السابقة..

ولد «الرجل الوطواط» في العام 1939 وقد باشر حينها وعلى الفور مهمة تصفية الفساد ومجابهة الأشرار، وكان ذلك عبر قصص الكوميكس -القصص الرسومية- التي أبدعها الأمريكي «بوب كين» ونشرها لأول مرة في تلك السنة وظل ينشرها بعد ذلك لسنوات طويلة إلى أن أصبحت إحدى كلاسيكيات الكوميكس العالمية.. في العام 1989 تلقف المخرج الممتع «تيم بورتن» هذه القصص وصنع منها الجزء الأول من السلسلة الذي حمل اسم الشخصية البطلة «باتمان»، ثم في العام 1992 كرر الأخذ منها وأخرج الجزء الثاني بعنوان (عودة باتمانBatman Returns)، أما في الجزأين الثالث والرابع اللذين ظهرا في عامي 1995 و 1997 تحت العنوانين (باتمان للأبد- Batman Forever) وَ(باتمان وروبن Batman & Robin) فقد شارك «بورتن» فيهما بصفته منتجاً منفذاً، بينما أوكلت مهمة الإخراج للمخرج المعروف «جويل شوماخر».. وفي كل الأجزاء الأربعة تكون الحبكة الثابتة التي تسير عليها حكايا ومغامرات «باتمان» حيث مواجهة الأشرار الحاقدين والحسناوات اللواتي يسعين إلى اقتناص لفتة إعجاب من هذا البطل الخفي.. وما يميز سلسلة «باتمان» تحديداً هو أنها ضجت بأسماء نجوم السينما الكبار، ففي الجزء الأول منها شاهدنا النجم «جاك نيكلسون» بشخصية الشرير «الرجل الجوكر»، كما اجتمع «داني ديفيتو» مع الجميلة «ميشيل فايفر» في الجزء الثاني، بينما حفل الجزء الثالث بمشاركة «جيم كاري» مع «تومي لي جونز» وَ«نيكول كيدمان»، أما الجزء الرابع فقد ظهر فيه النجم «جورج كلوني» أمام «آرنولد شوارنزجر».. وما يميز أيضاً هذه الأجزاء أنها أولت عنايتها بالناحية البصرية بحيث ركزت على المعارك المبهرة دون النظر في حقيقة الدوافع التي تحرك الشخصيات الرئيسية وبشكل رئيسي شخصية البطل «باتمان»، أيضاً رسمها لمنطق خاص بها يتجاوز حدود وقدرات واقعنا المعاش، فمدينة «غوثام» هي مدينة تجريدية متخيلة ليس لها تاريخ ولا مستقبل وهي تحوي عناصر شريرة شراً مطلقاً ومقاومة خيرّة يقودها «باتمان» بقدراته الخارقة والخاصة جداً، والذي نراه يستخدمها بغزارة في معاركه العديدة دون أن نفكر في نشأته وفي كيفية تحوله إلى بطل خارق كهذا، والأهم في السبب الذي جعله ينذر حياته لمقاومة الشر.. النجمة «نيكول كيدمان» تطرح تساؤلاً كهذا في الجزء الثالث من السلسلة إذ تقول: (لماذا يقوم رجل بفعل كل ذلك؟ وكأنه حكم على نفسه بالشقاء ليكفر عن ذنب ما.. ما هي تلك الجريمة التي ارتكبها ليكفر عنها بحياة الليل المؤلمة التي يعيشها؟)..

وانطلاقاً من هذا السؤال تأتي حكاية الجزء الأخير من سلسلة «باتمان».. فيلم (باتمان يبدأBatman Begins) الذي يسعى إلى «أنسنة» البطل الأسطوري وتحويله إلى كائن من لحم ودم يحس ويشعر ويتألم، إنسانٌ يمتلك ماضٍ حي، تتنازعه مخاوف عديدة وتناقضات شتى تطبع عليه ملامح الحيرة والقلق التي نرى مثلها على وجوه البشر الذين نحيا معهم في واقعنا المعاش.. وبشكل أدق يسعى الفيلم إلى إضفاء الحياة على شخصية «باتمان» ومنحها عمقاً درامياً يجعلها أقرب إلى نفسية المشاهد وإلى آلامه وهمومه.. وأحداث الفيلم -من الناحية الزمنية- تأتي قبل الأجزاء الأربعة السابقة، فهو يبحث في نشأة «باتمان» ويعود إلى طفولته مستعرضاً كافة الظروف والملابسات التي جعلت من مسألة تحوله إلى «بطل» مسألةً منطقية وواقعية للغاية.. ففي البداية نرى ومضات خاطفة لهذا الماضي، حيث يسقط الطفل «بروس واين» في بئر يمتلئ بالخفافيش لينشأ عن ذلك خوفه الأول.. ثم نذهب إلى دار الأوبرا حيث يطلب الطفل «بروس» من أبويه مغادرة المسرح، وعند الخروج يهاجمهم لص فيقتل الأبوين أمام الطفل الصغير.. وهنا تتعزز المخاوف ويتكدس الغضب والألم.. لينتج عن ذلك رغبة عارمة في الانتقام ومقاومة الشر أينما كان وبأي شكل كان.. ولأنها رغبة غير منضبطة تتسم بالفوضوية كان «بروس» يقاتل أي مجرم يواجهه، حتى أولئك المجرمين الذي يعيشون معه في زنازن الأسر في سجن يقع في أقصى القارة الآسيوية.. إنه يقاتلهم وهو يرى في كل واحد منهم رمزاً للشر شبيهاً بذلك الذي أفنى عائلته.. وكي يضبط هذه الرغبة الحارقة التي تجتاحه كان بحاجة إلى معلم وموجّه، وهنا يأتي دور القائد «هنري دوكارد» -يؤدي دوره ببراعة النجم ليام نيسن- الذي انتشل «بروس» من غياهب السجن ليحلق به عالياً إلى قمم الجبال حيث يقع المكان السري لجماعة ثورية يتزعمها القائد الآسيوي «رأس الغول»، وهناك تعلم «بروس» فنون القتال حتى أتقنها، وقد أعجبه في هذه الجماعة أنها ترفع نفس الشعار الذي يؤمن به وهو محاربة الشر والفساد، لكنه يصدم حين يكتشف المنهج الذي تتبعه الحركة إذ تبين أنها تستخدم الشر في محاربة الشر، وهو ما لم يستسغه، خاصة بعد أن تشرب الحكمة والاتزان، لذلك ينشأ الصدام بينه وبين زعماء الحركة الثورية، وكذلك بينه وبين القيادات الفاسدة في مدينته «غوثام» التي عاد إليها ووجدها كما تركها قبل سنوات غارقة في الفساد ناضحة به..

وبعيداً عن أجواء المعارك الهائلة التي تحدث لاحقاً حين يعود «بروس» إلى غوثام.. فإن الفيلم يوجه عنايته و تركيزه إلى داخل «بروس واين» بعكس ما كان في الأجزاء الأربعة السابقة التي اعتنت بالشكل الخارجي وتجاهلت كل ما هو «داخلي» و«جوّاني».. أيضاً يطرح قضية الصراع الأزلي الذي ينشأ في داخل كل الحركات الإصلاحية أو الثورية، حيث ينشأ الانقسام عادة بسبب الاختلاف في تحديد الأولويات، فهذا القائد «هنري» يسعى إلى إفناء مدينة غوثام عن بكرة أبيها، ويزيد بأنه يسعى بكل ما أوتي من جهد وخبث لأن تصل المدينة إلى أحط مستوياتها، إذ هو يزعم أن لا إصلاح ولا ثورة دون أن تصل الحضارة إلى أرذل مستوى لها.. بينما «بروس» -وهو الذي يتفق معه في أصل المبدأ- يعارض هذا الأسلوب ويؤكد أن الإصلاح ممكن إذا ما تم التركيز على ملاحقة الأشرار فقط دون الجناية على الأبرياء الذين لا شأن لهم بالصراع.. وهكذا نبحر نحن مع صراعات شتى.. صراع نفسي خاص ببطل الفيلم، وصراع يأخذ الطابع الجدلي والفلسفي فيما بين أعضاء الحركة، وصراع ثالث ضخم بين هؤلاء جميعاً وبين المجرمين وقيادات النظام الفاسد.. وهي أجواء متلاطمة متداخلة لا يبرع في تجسيدها بشكل متماسك سوى فنان متمرس كالمخرج الشاب «كريستوفر نولان» الذي صنع في (باتمان يبدأBatman Begins) دراما نفسية عميقة تسير على خطى فيلميه الرائعين (تذكارMemento) وَ(أرق Insomnia)..

.

Partager cet article
Repost0
19 août 2010 4 19 /08 /août /2010 20:57

.

Une présidente de multinationale et sa jeune vice-présidente travaillent main dans la main, se font des sourires, l'une formant l'autre. Mais la jolie façade se lézarde vite. En un tournemain, Kristin Scott-Thomas harcèle, manipule et humilie Ludivine Sagnier, qui ne demandait qu'à l'admirer. À écraser le petit, on ne gagne parfois qu'un méchant coup de couteau. Une fois le maître tué, l'élève Sagnier, tel un Chaperon rouge maso, éparpille les indices accusateurs et file en prison pour mieux se blanchir.

 

Après un remake problématique du Deuxième Souffle de Melville, Alain Corneau revient à ses thèmes favoris: culpabilité, innocence, manipulation, sur fond d'un monde du travail oppressant et paranoïaque. Crime d'amour: ce titre en deux mots cache un film à deux temps. Avant le puzzle-mécano de Sagnier, il y a le harcèlement moral, un duel au sommet et au couteau. Sans surprise, Scott-Thomas y est glaçante, mais Sagnier, en petit soldat blessé, fait mieux que se défendre. On doit être un peu pervers, mais c'est cette partie-là qu'on a préférée: voir se déchirer deux femmes à un je-ne-sais-quoi jouissif.

.

Partager cet article
Repost0
15 août 2010 7 15 /08 /août /2010 01:36

.

 

Chevalier-noir.jpg

 

.

Le cavalier descendait lentement vers la vallée. Sous le ciel gris, la sente rocailleuse serpentait le long des flancs fleuris de la colline de Thiellon. Le voyageur venait de dépasser les ruines de la place forte qui en avait autrefois garni le sommet. Les blocs couverts de mousse rappelaient le caractère éphémère de ces constructions humaines soi-disant inébranlables.

 

Une véritable leçon pour nous tous, pensa ironiquement Markus Blackthorne en éperonnant son cheval.

 

Devant lui s’étendaient les terres de sa famille. Il distinguait, au bord du fleuve Ysalis qui courait au fond de la vallée, la silhouette du manoir Blackthorne entouré de sa muraille de granit. Il y serait avant la nuit. Il attendait ce moment depuis plus de deux ans.

Troisième fils du comte Élenthor, il avait quitté la Malakie pour parcourir le monde et acquérir l’expérience que ses précepteurs ne pouvaient lui apporter. Il n’était appelé à nul haut destin, ses frères y pourvoiraient avant lui. Aussi avait-il été avide de prouver sa valeur d’une autre façon. Car en Malakie, nul ne gagnait le respect de ses pairs s’il ne faisait montre d’une égale habileté dans les arts de la Lame et de la Sorcellerie. Le pays des chevaliers-mages était une terre belle, sûre, mais dont la jouissance se méritait, et ce depuis la fin de l’Âge Sombre qui avait lui-même suivi la chute de l’Empire. Le jeune noble portait dans son sang l’obligation de se montrer digne de son rang, aussi insignifiant soit-il sur le plan politique. Il pouvait paraître regrettable que cette valeur soit basée sur des critères martiaux et non humains. Mais avant toute autre chose, les frontières de la contrée devaient être défendues. Les ombres du chaos de l’Âge Sombre planaient encore dans tout l’Ancien Empire.

 

Il traversa bientôt un village. Dans sa tenue de voyage, rien ne laissait transparaître ses origines. Mais quelqu’un remarqua le blason des Blackthorne qui ornait le harnachement de son étalon noir. Ou peut-être était-ce le pommeau de l’épée familiale qui dépassait de ses hanches. Quoi qu’il en fût, avant qu’il n’ait atteint la sortie du village, une longue file d’hommes et de femmes s’était rassemblée en silence, et ployait le genou à son passage.

Il se redressa sur sa selle et rabattit la capuche de sa pèlerine, révélant ses cheveux bruns courts sur la nuque, mais dont les mèches encadraient le visage, et ses traits réguliers. Il jeta quelques pièces dans la boue et, sans un mot, laissa la bourgade derrière lui. Rien que pour ça, il appréciait de fouler à nouveau le sol de sa patrie…

Percebranche, son faucon familier vint se poser sur le pommeau de la selle et chanta.

 

- Oui, mon ami. Nous sommes de retour…

 

À la tombée du jour, le ciel se dégagea enfin, et une chaude lumière filtra depuis l’horizon. Lorsqu’il se présenta au pied de la muraille, son visage rayonnait. Devant lui se dressait une lourde et haute porte de chêne, bardée d’acier, et en son centre, comme il s’y attendait, un visage d’écorce et de nœuds se dessina.

 

- Portail, salua-t-il, je ne pensais pas dire ça un jour ; mais je suis content de te voir.

 

Le visage sylvestre fronça les sourcils et soupira, comme s’il peinait à reconnaître l’individu qui se tenait là, et que cela représentait pour lui un effort épuisant.

 

- Maître Markus, croassa-t-il finalement. J’aimerais pouvoir en dire autant. Mais je suis une porte, être content ne fait pas partie de mes attributions. Vous arrivez à point nommé, presque toute la famille s’est rassemblée. J’annonce votre arrivée.

 

Le jeune homme remercia le portail magique d’un signe de tête et attendit que celui-ci s’ouvre, soufflant et ahanant comme un serf ployant sous le fardeau. L’étalon clopina sur les pavés irréguliers de la cour.

 

L’agitation des grands jours y régnait effectivement. Les serviteurs allaient et venaient pour s’occuper des montures et attelages de tous les invités déjà arrivés, les intendants criaient leurs ordres pour nourrir, loger et distraire toute cette population supplémentaire, le temps que dureraient les festivités. Tous les cinq ans, la famille Blackthorne au complet se rassemblait pour l’anniversaire de leur ancêtre. La dernière fois, Markus avait vingt ans. Il s’arrêta, descendit de cheval, et attendit à nouveau. Un serviteur s’approcha enfin. Il lui jeta sa pèlerine. Dessous, il portait une cape fruste qu’il ôta également, révélant la robe de sorcier renforcée, rouge sombre et noire, ornée de runes, retenue à la taille par une large ceinture où était passée, dans son dos, l’épée dont il ne se séparait jamais. L’anneau des Blackthorne brillait à l’index de sa main gantée de noir. Dans sa main gauche, il prit le bâton orné d’une pierre azur qui était attaché à sa selle. Les serviteurs s’évaporèrent en s’inclinant, emportant avec eux monture, bagages, et vêtements marqués par la route.

 

Au centre de la cour se dressait une fontaine surplombée par une statue équestre. Quand Markus avait quitté le manoir, elle était en triste état. Mais visiblement quelqu’un s’en était occupé récemment. Cette tradition quinquennale avait au moins pour avantage de conduire à un entretien régulier de l’ensemble des bâtiments.

 

Derrière la fontaine, s’élançait vers le ciel la principale tour du manoir, qui comptait trois parties. Les logis réservés aux domestiques, dédiés aux écuries, aux ateliers et aux gardes étaient eux répartis autour de la vaste cour ainsi que dans les murailles elles-mêmes.

Il dépassa le cheval cabré et son jet d’eau, pour distinguer une silhouette connue…

 

- Aldonius ! appela-t-il.

 

L’homme en robe bleue et col de fourrure se retourna, surpris.

 

- Markus ?

- Lass’ Ardrann !

 

Avec un geste complexe de la main droite, Markus envoya sur son frère trois projectiles incandescents. Celui-ci leva d’un simple mouvement du bras un bouclier de force sur lequel ils s’écrasèrent. Tendant les mains en éventail devant lui, il incanta à son tour. L’air miroita un bref instant puis des flammes rugissantes bondirent vers Markus. Celui-ci frappa le sol de son bâton et pointa la pierre vers les flammes. D’impressionnants pieux de glace jaillirent du sol sur une ligne, à la rencontre du feu. Les sortilèges se neutralisèrent l’un l’autre dans un grand nuage de vapeur sifflante.

Les deux hommes se toisèrent. Un sourire narquois apparut sur les lèvres du plus âgé.

 

- Que de progrès, mon frère.

- Et encore, tu serais surpris. Les voyages forment la jeunesse, dit-on.

- Ou la raccourcissent de manière drastique, dans les terres d’Elgenval.

 

Le pays voisin avait la réputation d’être une contrée infestée de monstres dangereux et vicieux. Markus avait pu mesurer à quel point la légende n’était pas exagérée.

 

- Néanmoins me voici, ainsi qu’il l'avait été promis.

- Et j’en suis heureux, répondit Aldonius en s’avançant pour serrer l’avant-bras tendu de son frère. Père sera ravi de te revoir.

 

Ils devisèrent gaiement alors que son aîné conduisait Markus à travers le manoir familial jusqu’à l’étude de leur père. Ce dernier cependant se trouvait avec quelques-uns de ses invités dans l’ancienne salle d’audience, reconvertie pour l’occasion en hall de réception. Ils coupèrent par le jardin qui séparait les deux parties du bâtiment. Les jardiniers étaient encore à l’ouvrage alors que la nuit s’annonçait. Tous saluèrent les deux nobles.

Markus s’arrêta au milieu d’une allée.

 

- Une grande partie de notre famille est déjà là, n’est-ce pas.

- Oui. Seuls manquent à l’appel le vieil oncle Duvner, et les cousins de l’Est, Oyned et Fiona. Pourquoi ?

- Umh. Parce qu’il me semble apercevoir la cousine Adalphia au balcon du premier étage.

 

Il souligna ses paroles d’un geste évasif et Aldonius ne put s’empêcher de lever le nez.

 

- Ma foi, tu as raison. Mais je me demande bien ce que tu trouves à cette vipère arrogante.

- En dehors de son opulente poitrine et de ses yeux de braises, tu veux dire ? Il se fait que nous avons différents centres d’intérêts communs. Après une si longue absence, je m’en voudrais de ne pas aller lui présenter mes hommages.

- N’essaie pas de me faire croire que tu ne t’es pas acoquiné pendant ces deux années.

- Si tu savais ; les gens du monde vivent d’une façon… Après tout cela, un peu de distinction ne m’en sera que plus agréable.

 

Markus connaissait en effet bien la jeune femme aux cheveux auburn et à la moue aristocratique. Son père, le chevalier Landris, gérait un petit domaine aux abords du fleuve. Il n’avait pas d’autre enfant. Mais lui, en tant que troisième fils, devait se poser certaines questions pour assurer son avenir. Ce ne serait pas un titre extrêmement important. Mais c’était mieux que rien. Car la fille du baron Dasst était d’une laideur repoussante. De plus, elle avait un jeune frère.

 

Ils atteignirent finalement la grande salle. Il y eut un moment de silence parmi les présents, alors que Markus Blackthorne s’avançait.

 

- Je te l’avais dit, chuchota Aldonius, personne ne s’attendait à te voir.

 

Puis quelqu’un lança son nom, et tous vinrent saluer le jeune homme dans un joyeux brouhaha.

 

Un noble à la barbe grise, patriarcale, portant une cape de tissu précieux ornée d’un lourd fermoir en or s’approcha :

 

- Le retour du fils prodigue, dit-il.

 

Il avait le même profil régulier que son jeune fils, et la mine sévère. Mais ses yeux brillaient de joie.

 

Markus s’inclina poliment devant le comte Élenthor Blackthorne. Et dans l’ombre de celui-ci, une copie conforme du jeune homme, mais aux longs cheveux noirs.

 

- Père, dit simplement Markus. Lother…,

 

L’héritier salua à son tour le benjamin.

 

- He bien, il semble que ce voyage d’apprentissage ne t’ait pas enseigné la façon de s’annoncer. Un simple sortilège aurait…

- Un simple sortilège ? Mais je peux faire bien plus, frère…

 

C’était la voix de Markus, mais il n’avait pas remué les lèvres. Il le regardait simplement en souriant. Lother était surpris, mais il se rendit compte que la plupart des gens autour de lui partageaient cette stupeur.

 

- Je voulais simplement ménager mon effet, conclut Markus à haute voix.

- J’ai du mal à croire que se tient devant moi le même homme que celui qui peinait à allumer une chandelle il y a deux ans seulement.

 

Aldonius hocha la tête d’un air entendu. Les deux frères s’étaient beaucoup amusés aux dépens du plus jeune.

 

- Et qu’en est-il de ton escrime ?

 

Markus ouvrit les bras avec suffisance.

 

- Libre à toi de t’y frotter, Lother.

 

Instinctivement, un cercle se dessina autour d’eux.

Avec un regard débordant de supériorité pour son frère, Lother tendit la main pour demander une arme. Quelqu’un lui fit passer la sienne.

 

D’un geste d’une lenteur calculée, Markus tira son épée familiale. Elle paraissait courte. Mais en un tournoiement, elle sembla avoir gagné deux empans. Personne ne protesta, les lames enchantées étaient monnaie courante au pays des guerriers sorciers de Malakie.

Lother attaqua en premier, Markus esquiva. En garde haute, il attendit l’assaut suivant. Son aîné visa les jambes, il recula encore. L’attaque vint ensuite de côté. Markus para et enroba la lame de son adversaire, l’entraînant vers le sol. La pointe heurta le dallage. Sans attendre, il mit un pied sur l’arme qui échappa à la main de Lother. Il lui appliqua le bout de sa propre épée sous le menton.

 

Personne ne souffla mot. Une simple poignée de secondes s’était écoulée entre le début et la fin du combat.

Tous regardaient la scène d’un air ébahi. Comment Lother avait-il pu être défait aussi vite ? Markus se rengorgeait, se délectait de leur étonnement.

 

- Fils, applaudit le comte, j’ai du mal à croire ce que je viens de voir. Lother est un des meilleurs duellistes de notre Maison. Ton habileté est bien digne des Blackthorne ! Mais laissons là ces jeux, et viens, raconte-moi ton voyage. Où as-tu appris à te battre ?

 

Durant les deux jours qui suivirent, dans l’attente des derniers convives, Markus reprit ses marques dans le manoir, discuta d’abondance avec son père et bon nombre de vieux amis parmi la famille. La cousine Adalphia se montra fort aise de le savoir de retour. Ils passèrent de longues heures ensemble, lors de balades à cheval ou dans les jardins. Tant et si bien que peu avant l’aube du troisième jour, alors que le soir même les festivités du jubilé commenceraient, l’ombre furtive de Markus Blackthorne se glissa hors de la chambre de la jeune femme pour regagner la sienne. Il ne voulait pas l’embarrasser, et à cette heure, les couloirs étaient encore déserts.

 

Lorsqu’il se leva, plusieurs heures plus tard, il adressa un sourire satisfait à son reflet dans le miroir. Il passa des vêtements frais, et descendit voir ce que le monde lui offrirait en cette belle journée de fête. Il allait rapidement déchanter.

 

Il se rendit compte que quelque chose clochait alors qu’il se dirigeait vers la grande salle. En ce jour entre tous, il aurait dû croiser une foule de serviteurs affairés. Or le manoir était étrangement calme. Il y avait des gardes aux portes de la grande salle. Ils le saluèrent en silence, comme s’ils ne remarquaient pas son regard interrogateur.

Markus pénétra dans la salle et tomba sur une réunion de famille en bonne et due forme. Devant leurs airs à la fois préoccupés et surpris, il eut l’impression d’arriver alors qu’ils parlaient de lui, en mal, cela allait sans dire. Il y avait foule, bien que cela ne suffise pas à remplir la salle. Autour de la table centrale, le comte, ses frères, fils, et neveux. Ils étaient penchés sur différents parchemins. Lother était celui qui avait la mine la plus contrariée.

 

- Que se passe-t-il ? interrogea Markus. Ne me dites pas que c’est la guerre, ajouta-t-il en plaisantant.

 

Il le regretta aussitôt.

 

- Le cousin Gilroy…

 

Markus se souvenait de lui, un blond efféminé ; un bâtard que son père, cousin du comte, avait reconnu car sa femme ne lui donnait que des filles. Markus le méprisait depuis des années. Gilroy le lui rendait en animosité. Il ne savait pas qu’il était dans la place.

 

- … a été retrouvé mort dans sa chambre ce matin.

 

Par respect pour son père, Markus s’obligea à paraître désolé :

 

- C’est une tragédie. Que s’est-il passé ?

 

Alors seulement il remarqua le poignard ensanglanté au milieu des parchemins.

 

- Par les ancêtres ! Qui ?

 

Il était hors de lui. Qui s’était permis de commettre un meurtre dans sa Maison ?!

Beaucoup trop de monde le dévisageait. Ce n’était pas normal.

Lother soupira, le comte s’agitait, mal à l’aise.

 

- La chambre de Gilroy a été fouillée, commença l’héritier. Visiblement son assassin cherchait quelque chose de précis, car nul bien de valeur n’a été emporté. Or notre cousin était venu me parler dès son arrivée au palais ; il voulait que je conserve des documents pour lui, promettant de tout nous expliquer plus tard. Je les ai placés dans un coffre de la salle du trésor. J’ai immédiatement pensé que c’était là l’objet de la convoitise de l’assassin. Je suis allé les quérir ce matin. Et voilà, conclut-il en désignant d’un geste ample les parchemins étalés sur la table.

Markus était de plus en plus sur la défensive :

 

- Qu’est-ce donc ?

 

De là où il était il distinguait déjà différents sceaux qui n’auguraient rien de bon.

 

- La preuve qu’un Blackthorne a pactisé avec des seigneurs d’Elgenval au détriment de sa propre patrie et de sa propre maison. Informations stratégiques, accords économiques et militaires occultes, et j’en passe, le renseigna Aldonius.

 

Le jeune homme sentit son sang se glacer. Il avait bien rencontré des nobles du royaume voisin, bien qu’il n’ait jamais tissé de lien avec eux, mais qui savait comment ces agissements avaient pu être interprétés ? Heureusement, il avait un alibi solide, mais il préférait ne pas mentionner la cousine Adalphia s’il pouvait l’éviter. Il se préparait donc à interroger plus avant son frère quand l’oncle Goldorff, un colosse qui s’était empâté avec l’âge, se leva et brandit son poing ganté dans sa direction :

 

- Alors peux-tu nous expliquer pourquoi une servante vous a entendus, Gilroy et toi, vous quereller vivement dans sa chambre cette nuit ?

 

Le cœur de Markus manqua un battement à cette accusation.

Absurde ! pensa-t-il, réprimant l’envie de foudroyer son oncle dans l’instant.

 

- Comment pouvez-vous m’accuser sur les simples dires d’une domestique ? s’insurgea-t-il. C’est tout bonnement ridicule, je n’ai eu nul contact avec Gilroy depuis mon arrivée ici.

- Lorna, appela l’oncle. Veux-tu répéter à Markus ce que tu as déclaré à cette assemblée ?

 

Une jeune femme dont Markus se rappelait bien apparut entre les nobles. Elle décrivit d’une voix éteinte comment elle avait croisé le seigneur Markus dans le couloir aux environs de minuit, qu’il avait paru contrarié de la voir et lui avait enjoint d’aller se coucher ; comment, ayant oublié quelque trivial chiffon, elle avait néanmoins fait un détour et entendu les seigneurs Markus et Gilroy qui avaient un échange vif, bien qu’elle n’en comprît pas la teneur. Elle n’avait malheureusement pas attendu la fin du débat pour s’éclipser.

Rigoureusement impossible ! Pourquoi ment-elle ? Qui peut avoir intérêt à m’accuser d’un tel crime ?

Une fois l’étonnement dissipé, l’esprit du guerrier-mage envisagea les différentes hypothèses. Néanmoins, il ne pouvait se laisser insulter de la sorte :

 

- Maudite menteuse, dit-il bien trop calmement. Qui te contraint à tenir ce discours ? Parle !

 

La jeune femme se recroquevilla.

 

- Mes excuses, Seigneur. C’est la stricte vérité, répondit-elle d’une voix à présent tremblante.

 

Le comte s’interposa entre son fils et la servante.

 

- Alors, que peux-tu opposer à cela ?

 

Le doute qu’il lut dans ses yeux heurta Markus plus violemment que s’il l’avait frappé.

 

- Père, tout cela est insensé. J’ai passé cette nuit en compagnie de Dame Adalphia.

 

Aux grands maux… Il s’excuserait auprès d’elle plus tard.

 

- Dans ses appartements.

 

Il y eut un murmure, aussitôt interrompu par un cri indigné :

 

- Comment ? Mais c’est totalement faux !

 

Adalphia venait de se lever à son tour, la colère déformait ses traits. Markus ne l’avait pas aperçue en entrant.

 

- Sous-entendre que j’aie pu ouvrir ma couche à ce… ce… J’ai passé la nuit seule, Messires. Et si je l’avais passée en quelque compagnie, ce n’aurait pu être celle de cet individu, ce traître et ce menteur !

- Quoi ? Mais, voyons…

 

Markus pensa d’abord qu’elle tentait de conserver une image de vertu, et qu’elle choisissait bien mal son moment pour ce faire. Mais rapidement il constata que cette colère était trop ardente, trop vive. Elle semblait le détester vraiment. Celui qui avait utilisé la domestique avait tout aussi bien pu se servir d’elle. Peut-être même était-elle complice…

Dans ce cas, il était grillé. Il devait bien pouvoir trouver une trace de sa présence dans la chambre de la jeune noble… Mais apparemment les membres de sa famille s’étaient fait leur idée. Le chant des épées sortant du fourreau retentit.

 

- Puisque vous le prenez ainsi…

 

Markus tira sa lame en prononçant une incantation élémentaire :

 

- Ess Thalarann Hag’nath !

 

Son épée s’embrasa aussitôt. Il tenait une flamme menaçante de plus d’un mètre. Et n’entendait pas s’arrêter en si bon chemin.

 

Il plia la magie à sa volonté, gonflant ses muscles et améliorant ses réflexes. Puis d’un mouvement fluide, alors que ceux qui avançaient fourbissaient leurs défenses mystiques, il saisit une poudre rare dans une pochette à sa ceinture. Il l’égrena devant lui en murmurant :

 

- Dyl’naoss Kehev’lenn tyssarakh Ogg’nah.

 

Les dalles du pavement se soulevèrent dans un bruit d’enfer. Des murs de briques jaillirent du sol, formant dans la grande salle un labyrinthe aux multiples méandres, qui retarderait ses adversaires. Il entendait leurs cris qui l’invectivaient, qui ordonnaient…

Ce sortilège le plaçait dans une position avantageuse, car un seul homme à la fois pouvait se présenter devant lui par l’unique étroite issue du petit espace où il se tenait. Toutefois, il n’avait pas le cœur à décimer sa propre famille. Sans compter que son stratagème ne tiendrait pas longtemps face aux pouvoirs combinés d’autant de chevaliers-mages. Mais il savait quoi faire. Il s’engouffra dans le corridor qu’il venait de créer.

 

Dans son esprit, l’itinéraire brillait avec évidence. Il rencontra deux hommes sur sa route. L’épée de flamme les dissuada de l’attaquer seuls. Il sortit du dédale de poche. Face à lui, dans une alcôve, une statue de femme. Il y avait des alcôves similaires dans toute la grande salle. Mais celle-ci avait un secret : Markus se colla contre elle et appuya sur l’épaule dénudée. Elle se déboîta, et la statue pivota, emportant le jeune homme dans un tunnel que bien peu connaissaient. Elle se trouva aussitôt remplacée par une copie conforme. Il leur faudrait un moment avant de constater qu’elle était un peu moins usée et davantage poussiéreuse. Mais cela lui accordait de précieuses minutes. Le tunnel débouchait sur le chemin de ronde du second étage. Markus lança l’appel mental à son familier. Il sentit le faucon prendre son envol dans les jardins du manoir, et venir vers lui, évitant de justesse une ferronnerie proéminente.

 

Par ses yeux de rapace, il eut une vision précise de l’extérieur. Il se drapa dans un charme d’invisibilité et sortit au soleil. L’alerte ne semblait pas encore avoir été donnée. Il fila en direction de la tour voisine, il lui fallait examiner les appartements d’Adalphia.

Malheureusement pour lui, Percebranche ne put le guider bien longtemps. Il était loin d’être le seul sorcier doté d’une affinité particulière envers un animal. Les couloirs et les jardins grouillèrent bientôt de chats, rats, busards, et autres créatures que les magiciens affectionnaient. Ensuite seulement, les gardes furent mobilisés.

 

Son faucon sagement posé sur l’épaule, Markus entra dans la chambre de sa cousine. Le sortilège qui le dissimulait aux yeux du monde avait pris fin lorsqu’il avait dû forcer la porte.

Le volatile se transporta jusqu’au montant du lit, comme s’il voulait profiter d’une vue d’ensemble.

 

- Tu pourrais m’aider, maugréa le jeune homme en commençant une fouille expéditive de la pièce.

 

Le faucon ne prit pas la peine de répondre.

 

 

Les secondes s’égrenèrent sans qu’il ne puisse mettre la main sur le moindre élément probant. En derniers recours, il utilisa un complexe sortilège de révélation, dans l’espoir qu’il lui permette de percevoir d’éventuelles cachettes magiques. Mais rien.

Par dépit, il s’assit sur le lit encore froissé. Son épée brûlait toujours et il manqua provoquer un incendie. Il se releva vivement, et un parfum étrange lui monta aux narines. L’odeur lui était familière… Il saisit les draps et les renifla.

 

Nymphéa Blanc. Sortilège d’amnésie. Le rituel consistait à brûler une certaine dose de ces fleurs autour d’une personne endormie en psalmodiant une incantation qui devait comprendre tous les éléments que le sorcier entendait modifier dans les souvenirs de la victime. Cette sorte de magie n’avait pas les faveurs des mages martiaux de Malakie. Elle était plus prisée par leurs voisins du sud, les enchanteurs d’Elmaraldie ; ces sorciers décadents qui avaient par trop pactisé avec les Djinns et les entités élémentaires. Qui, au château, avait pu apprendre ce tour ?

 

Lorsque Markus était parti, les échanges entre les deux pays étaient rares, sa seule connaissance – théorique – de la magie elmaride venait de son vieux professeur. La situation ne pouvait pas avoir changé au point qu’un enchanteur se promène en liberté dans les provinces malakes. Il ne voyait qu’une personne susceptible de lui répondre. Et pour ça, il devait gagner le sous-sol où se trouvait la bibliothèque.

Le tumulte qu’il entendait dans le couloir lui annonçait que ce ne serait pas chose aisée…

 

Les gardes brillaient, auréolés qu’ils étaient de leurs boucliers mystiques. Les armures qu’ils portaient étaient superflues, mais au combat, il était bon de pouvoir se reposer sur l’acier quand l’énergie magique se dissipait. Ils espéraient bien, cependant, qu’ils n’auraient pas à en faire l’expérience aujourd’hui. Le fugitif, tout noble qu’il était, ne pourrait leur échapper longtemps. Ils encerclaient le quartier des invités. Le fils du comte n’avait aucune issue.

Une fenêtre du troisième étage vola tout à coup en éclats. Une forme rouge tombait au milieu des débris de verre et de bois. C’était un homme. À la main, il tenait une lame de feu.

 

- Il a sauté ! cria quelqu’un.

 

Tous les gardes filèrent en direction du jardin.

 

Markus Blackthorne faisait face à une fenêtre intacte. Devant lui, un parchemin noirci fumait légèrement. Il conservait ce sortilège d’illusion depuis un moment, avec toute une série d’autres, inscrits sur des vélins spécialement traités pour recevoir la langue complexe des arcanes. Il n’en était pas l’auteur, certes, mais ça ne l’empêchait pas de pouvoir façonner les sortilèges qui y étaient figés, en attente d’être relâchés. Les sorts complexes coûtaient une petite fortune, et il avait bien l’intention de se faire rembourser celui-là. En attendant, il se dirigea d’un pas mesuré vers l’escalier secondaire, en colimaçon, qui le conduirait jusqu’aux niveaux les plus bas du manoir.

 

Il poussa la lourde porte de la bibliothèque, qui grinça doucement. L’air sentait le vieux parchemin, l’encre, et la cire. La salle, d’une taille respectable pour une cave, au plafond voûté, était garnie de rayonnages où s’entassaient rouleaux et volumes divers. Des lanternes sans flamme éclairaient le tout.

 

- Maître Nale ? hasarda Markus.

 

Il n’obtint pas de réponse. Le vieil homme ne devait plus avoir l’ouïe très fine.

Devant le silence qui régnait, Markus décida d’entrer. Il découvrit rapidement son ancien professeur. Allongé sur le sol, au milieu d’une mare écarlate. Il se précipita, en vain. Il retourna le corps et aperçut la dague qui gisait près de lui. Il retint un juron inspiré par la frustration plutôt que par le chagrin.

 

- Non ! cria quelqu’un.

 

Markus releva les yeux. Aldonius se tenait devant lui.

 

- Qu’as-tu fait ? Notre maître, pourquoi ?

- Comme c’est commode, cher frère, répondit Markus, cynique. Tu apparais à l’instant critique, pour me trouver, l’arme à la main, à côté du cadavre de Nale. Et rideau.

 

Il se releva lentement. Aldonius pointa vers lui son épée :

 

- Ne bouge pas, Markus. Tu seras jugé pour tes crimes.

 

Le sang du jeune homme ne fit qu’un tour.

 

- Mes crimes ?! Par les ancêtres, plutôt tremper le blason des Blackthorne dans le sang que de vous laisser me discréditer ! Asshar’akk !

 

Il avait vivement croisé les poignets au-dessus de sa tête avant de les abattre devant lui, projetant une onde de choc azur sur son frère.

Cette fois, le second fils d’Élenthor ne réagit pas assez vite. Le coup initial lui coupa le souffle et le souleva de terre, l’envoyant contre le mur. Il heurta la pierre violemment et s’assomma. Avant de quitter la bibliothèque, Markus lui adressa un dernier regard de dédain, et ralluma la flamme de son épée.

 

Pourtant quelque chose retint son attention. La main gauche du défunt était crispée contre sa poitrine. Elle était couverte de sang, ce côté du corps s’étant trouvé contre le sol avant qu’il ne le retourne. Il se pencha à nouveau sur Nale et écarta les doigts. Ce qu’il y identifia acheva d’attiser sa colère. Le fermoir de cape où figuraient les armes de la famille, agrémenté du Lambel, cette brisure qui était le propre… du fils aîné.

 

- On dirait que je n’ai pas cogné le bon frère… commenta simplement Markus, étrangement calme.

 

- Là ! Le faucon ! criait Lother depuis la plus haute terrasse du manoir.

 

Percebranche filait droit vers l’Est, bientôt suivi par tous les corbeaux et autres familiers volants de la Maison.

 

- Où se cache ce misérable ? vociféra l’oncle Goldorff à l’adresse des autres élites rassemblées là.

- Le misérable est juste devant vous, dit une voix désincarnée. Quant à moi, je suis ici.

 

Les sortilèges de dissipation plurent sur la plateforme et Markus apparut, adossé au mur.

 

- Lassé de fuir, mon frère se rend ? pérora Lother.

- Ton frère exige de savoir ce que faisait ceci dans les mains de feu Maître Nale.

 

Il montra le fermoir à l’assemblée. Et Lother porta bêtement la main à son col. Geste qui n’échappa qu’à quelques distraits.

 

- Que comptais-tu faire quand les effets du rituel subi par Adalphia s’estomperaient ? La tuer elle aussi ?

- Lother ? Que veut-il dire ? demanda Élenthor.

 

Le fils aîné ricana :

 

- Évidemment. Dès le premier signe d’espoir, sa seigneurie s’accroche à son fils préféré. Et au diable les preuves. J’ai sous-estimé votre aveuglement, père.

 

Devant la mine étonnée du vieil homme, Lother poursuivit :

 

- Ne faites pas l’innocent. Nous avons tous vu comme vos yeux brillaient en se posant sur lui, comme votre fierté était luisante. Pendant des années, Aldonius et moi avons travaillé et étudié pour nous montrer dignes de notre rang. Et lui ! Lui, il disparaît pendant deux années, et revient, fort de je ne sais quelle expérience acquise sur les routes, à courir la gueuse et à chasser les créatures des marais, et vous l’encensez. Il devient le centre de toutes les attentions. Avez-vous oublié à quel point ses médiocres talents lui valaient votre déception ? Nous avons appris à commander et à administrer un comté, mais vous admirez à ce point la force que vous voilà tout prêt à bouleverser l’ordre établi à son profit. Je ne pouvais l’accepter, père.

- J’ai peur de comprendre, émit Goldorff d’une voix funèbre.

- Assez ! Aucun d’entre vous ne voudrait voir ce vermisseau aux rênes de notre Maison. J’ai simplement eu l’audace d’agir, là où vous vous laissiez endormir par ses prouesses.

 

Markus soupira.

 

- Tu t’es condamné toi-même, Lother. Je respecte nos traditions et je n’ai jamais eu l’intention de briguer la place d’un de mes pairs. Celui qui est aveuglé, c’est toi. Par la jalousie et l’orgueil. J’en porte une part de responsabilité. Je n’aurais pas dû te donner une telle leçon l’autre jour. Tous ces complots et ces stratagèmes pour en finir comme ça ; si personne ne t’exécute, la honte t’emportera. Tu as sali notre nom. Je n’ai plus rien à te dire.

 

Il jeta le fermoir métallique aux pieds de l’homme qui était autrefois son frère et quitta la terrasse dans un silence de mort.

 

Décidément, le retour au pays n’était pas aussi plaisant qu’il l’avait envisagé…

.

Partager cet article
Repost0
13 août 2010 5 13 /08 /août /2010 01:46

.

Silhouette-homme.gif

.

Mon cher Oncle,

 

Ce n'est pas sans une émotion certaine que je me tourne vers toi alors que la vie me demande de faire un choix engageant mon avenir tout entier. Rassure-toi, il ne s'agit pas de te demander de l'argent. J'espère seulement un conseil en soumettant à ta sagacité une problématique existentielle dont je ne parviens pas à bout tout seul. Je viens de prendre conscience que jour après jour, je m'étais laissé enfermer par le quotidien. Pourtant, j'ai cru être libre en m'adonnant au bénévolat. Mais j'ai pris conscience de la gratuité de l'acte gratuit. À présent c'est fini : du passé je veux faire table rase comme dit la chanson. Tu vois que je suis dans une excellente disposition d'esprit.

 

Si je m'adresse à toi cette fois encore, c'est parce que tu es le seul de la famille à avoir reconnu en moi quelque valeur. Tu as la bonté de me gratifier de l'héroïque sobriquet de "pionnier" dans le texte de la gentille carte postale que tu m'as envoyée du Costa Rica. Bien sûr, je ne peux m'empêcher d'envisager avec un peu d'aigreur le regard ironique que tu peux légitimement porter sur mes chaotiques aventures (on n'en reparle pas, d'accord ?). Mais il me semble que tu es presque sérieux lorsque tu dis "pionnier", bien que tu éprouves le besoin de le préciser lourdement (je te cite mot à mot : "Tu es un véritable pionnier. Je ne plaisante pas, je le pense vraiment"). Puisque nous sommes dans les confidences, je pense comme toi. Je crois bel et bien être toujours trop en avance. Loin de l'envisager comme un défaut, je persiste à penser que c'est au contraire ma plus grande force. C'est elle que je dois utiliser pour me désincarcérer du machinal.

 

Avant d'entrer dans le vif du sujet, il peut être utile que tu connaisses les grands axes qui ont guidé mes pensées et mes actes jusqu'ici. Nous n'avons pas souvent parlé de cela. L'idée de départ c'est que, petit bourgeois de naissance, je me devais de transcender cette origine vulgaire par une existence hors du commun. Mon combat, qui était alors dans l'air du temps, c'était de parvenir à démocratiquement entraîner derrière moi l'ensemble du prolétariat pour faire accéder chaque travailleur à ce statut d'être exceptionnel. Je le concède avec le recul, c'était parfaitement contradictoire. Pourtant j'ai toujours trouvé des volontaires sur la base simple de cette plateforme subversive. Tu sais combien de folles entreprises j'ai soutenues, aidées, parfois dirigées ! J'étais soutenu dans mes théories comme dans ma pratique par le droit à la contradiction cher à Nietzsche. Je ne crois pas déjà t'en avoir parlé, mais lorsque j'étais en terminale, j'ai plus ou moins été violé par ma prof de philo, une remplaçante. Elle était nietzschéenne. Cela m'a beaucoup aidé. J'ai découvert que Nietzsche est né un 15 octobre, comme moi, et que partant nous étions tous les deux du signe de la balance. Ça m'a donné confiance. J'ai fait mienne la fière devise inscrite au dos de l'édition de poche de "Ainsi parlait Zarathoustra" : "Il faut beaucoup de chaos en soi pour accoucher d'une étoile qui danse". Tu vois que je n'ai pas des références bidons. Mon Oncle, tu n'as qu'un an de plus que moi et tu as connu les années de créativité et d'intelligence révolutionnaires. Qu'est-ce qu'on a pu faire comme conneries et rigoler grâce à notre idéal !

 

Passons.

 

Je continue sur les traces de mon parcours intellectuel. Après avoir raté l'heure du BAC deux ans de suite, c'est étrange à dire, mais je n'ai eu aucune difficulté à entrer comme concepteur rédacteur publicitaire dans une petite agence. En revanche, et au nom de la rhétorique, il aurait fallu faire le deuil de la dialectique pour pouvoir durer. Je n'ai jamais pu l'accepter, comprends-tu mon Oncle ; jamais ! J'ai quand même réussi à tenir assez longtemps pour avoir droit au chômage. Après je me suis spécialisé dans les petits boulots sans spécialité. Mais, aujourd'hui, je dois reconnaître que j'ai de plus en plus de mal à me situer. Je me sens prisonnier. Et pourtant comme dans le poème : "J'étais insoucieux de tous les équipages"… Je me permets de citer Rimbaud car je n'ai pas trouvé comment le dire mieux que lui. J'ai tout envisagé : l'agriculture bio, fonctionnaire territorial, l'humanitaire, le commerce équitable, Que Choisir… Les idéaux actuels me conviennent mal. Je ne parviens pas à retrouver l'exaltation libre de mes jeunes années.

 

J'ai toujours secrètement admiré la voie que tu as su emprunter. Car si j'étais libre dès mon plus jeune âge, tu étais, toi, enfermé. Enfermé dans ta famille catho, dans tes révisions d'examens, etc. Et dire qu'aujourd'hui c'est l'inverse !

 

Tu t'es évadé, n'est-ce pas ? Comment as-tu fais ?

 

Comment as-tu pu devenir conseiller financier toi qui sais à peine compter, comment ? Est-ce parce qu'à l'époque où on fumait des pétards tu t'es intéressé au bouddhisme zen? As-tu eu une révélation à ce moment-là qui t'a amené à "l'Éveil" ? Donc, et tu l'auras maintenant compris, c'est plus encore à l'alchimiste, au chaman, qu'à l'Oncle, que je m'adresse. Tu sais, depuis la mort de Papa, je me sens orphelin. Souviens-toi que tu es aussi mon parrain.

 

Mais j'en viens au fait : j'ai trouvé deux possibilités d'avenir susceptibles de me libérer. Allez, je me lance : j'expose mes deux hypothèses qui sont en fait deux métiers bien distincts.

 

Le premier auquel j'ai songé c'est psychanalyste. Je me placerai évidemment dans une optique a-curative et dans une posture constructive. J'entends par a-curatif que le but de mes accompagnements thérapeutiques n'aurait pas pour objet de réparer une destruction mentale constatée chez mes patients. J'entends donc laisser le curatif aux psychiatres. Pas question non plus de thérapie palliative - le marché est déjà très encombré - mais bien d'une thérapie résolument axée vers l'amélioration de l'individu sain d'esprit et de corps. Cette branche spécifique de la psychanalyse serait en effet destinée à la construction dans l'inconscient du patient d'une sorte de surhomme invisible capable de manipuler lui-même son surmoi. Je ne m'éloigne pas tellement des théories de Nietzsche en fait. Bon, je ne m'étale pas trop sur l'aspect théorique car je sais que ta brillante intelligence te permet d'entrevoir toutes les potentialités nouvelles d'une telle pratique. C'est une activité peu fatigante du point de vue physique, ce qui correspond parfaitement à mes capacités actuelles. Elle ne nécessite qu'un investissement financier réduit : un canapé, un fauteuil, quelques cahiers de brouillon et quelques crayons. J'ai déjà tout ce qu'il faut, sauf le canapé. Mais je le trouverai aisément en chinant chez les brocanteurs. Je sais de source sûre que les émoluments sont substantiels.

 

Le deuxième métier qui pourrait m'attirer c'est intellectuel. Ça me plairait vraiment aussi. Le plus simple pour moi je crois, ce serait de tenter de devenir l'auteur d'un seul livre qui ferait qu'on me reconnaîtrait d'emblée comme intellectuel : un homme à la pensée obscure. Quelque chose dans le genre du "Ulysse" de Joyce, ou encore "À la recherche du temps perdu" de Proust. Tu vois le genre. Je crois que je pourrais simplement transcrire le plus fidèlement possible tout ou partie de ces cahiers que j'ai noircis à une vitesse vertigineuse lors de mon séjour à la clinique. Car tu ne le sais peut-être pas mais j'ai fait un épisode d'hypertension (après que Jeannette soit partie vivre au Canada avec les enfants) qui m'a obligé à prendre trois semaines dans une maison de repos. Comme Baudelaire, on m'a drogué. J'ai été à ce moment-là littéralement habité par une "scriptorrhée" qui m'a permis d'écrire plus de cinq milles pages sur des cahiers Clairefontaine 17x22 quadrillés 5x5. J'ai vidé des dizaines de stylos Bic jaunes à encre bleue (pointe tungstène ultra fine). J'écrivais très serré, en partant de tout en haut à gauche de la page, sans interlignage ni marge, et je parvenais sans peine à emplir un cahier entier de 192 pages en deux ou trois jours. Le débit s'est peu à peu ralenti et le flot d'encre s'est tari un peu avant la fin du 25e cahier. Tout est dans une boîte rouge. Une production dont l'intensité et la densité sont indéniables, et ce en quantité phénoménale ; même si l'on doit se résoudre à retrancher quelques passages. Ce ne sera peut-être même pas nécessaire. Il paraît que Joyce pour son "Ulysse" , n'a pas supprimé grand chose des notes qu'il prenait sans cesse sur de petits carnets et qu'il s'est contenté de les mettre bout à bout. J'ai une idée de titre : "Libération". Il faudra employer les services d'une claviste-correctrice chevronnée pour faire émerger le texte. J'ai parfois un peu de mal à me relire. Il n'en reste pas moins que l'œuvre est posée. Reste à trouver un éditeur et après c'est l'autoroute. Tu m'aiderais ? Pour être franc, je ne m'attends pas à gagner des mille et des cents avec ça. On parle beaucoup des écrivains intellectuels mais peu de gens vont jusqu'à acheter les livres et, à part quelques vieilles dames, personne ne les lit, à mon avis. Le seul frein, c'est la peur agoraphobe que j'éprouve à l'idée de devenir célèbre. Mais je pourrai prendre des cours de théâtre à la MJC. Il paraît que ça aide beaucoup.

 

Psychanalyste ou intellectuel ? Intellectuel ou psychanalyste ? Pour t'aider à me conseiller, car je t'entends déjà sourire de mes hésitations, je tiens à te préciser que j'ai beaucoup réfléchi à ces deux possibilités. Bien entendu, je pourrais envisager d'être à la fois psychanalyste et intellectuel, d'autres l'ont fait avant moi. Mais il me semble qu'il serait préférable de ne pas placer la barre trop haut. Et puis ce serait céder à la facilité que de choisir de ne pas choisir.

 

Je dois maintenant te laisser car nous avons monté avec des copains une "Université Libre de Tautologie" (association loi de 1901). Nous œuvrons parallèlement pour la persistance culturelle de l'échange d'idées dans les bistrots. C'est très important car peu à peu, les cafés disparaissent. Je t'en parlerai un autre jour.

 

Sinon, pour ce qui est de mon boulot à la Poste, ça me dépanne. Je te remercie de m'avoir présenté ton copain de lycée qui t'a retrouvé grâce à internet. Il vient de rater le concours pour passer en 2e catégorie. Il reste chef du bureau des distributions quand même (pour toute la circonscription) mais il n'aura pas d'augmentation de salaire.

 

Prends ton temps pour répondre. Je ne ferai rien sans avoir ton avis au préalable.

 

Je t'embrasse très fort, ton neveu affectueux,

 

Franz

 

.

Partager cet article
Repost0
4 août 2010 3 04 /08 /août /2010 23:42

.

Le débat au sujet d'un projet de mosquée et de centre culturel musulman près de Ground Zero, à New York, s'est transformé en affrontement juridique, mercredi, un groupe conservateur ayant intenté un recours pour tenter de stopper un projet devenu une sorte de point de bascule entre la liberté de religion et l'héritage des attentats du 11 septembre 2001.

 

 

L'American Center for Law and Justice, fondé par le révérend Pat Robertson, a intenté une poursuite mercredi pour contester la décision d'un comité municipal permettant à des promoteurs de démolir un édifice pour faire place à une mosquée à deux coins de rue de Ground Zero.

 

 

La Landmarks Preservation Commission a pris sa décision trop vite, a sous-évalué la valeur historique de l'édifice et «a permis que l'usage prévu de l'édifice et des considérations politiques corrompent le processus délibératif», écrit l'avocat Brett Joshpe dans les documents déposés devant une cour d'État de Manhattan. Le groupe conservateur, établi à Washington, D.C., représente un pompier présent au World Trade Center le 11 septembre 2001 et qui a survécu aux attaques terroristes.

 

 

Les avocats de la Ville se disent assurés que la commission municipale a respecté les standards légaux et les procédures établies, a déclaré une porte-parole du département de droit de la Ville, Kate O'Brien Ahlers.

 

 

Un porte-parole pour le projet de centre musulman, Oz Sultan, a refusé de commenter la poursuite, mais a affirmé que les responsables du projet continuaient leurs travaux en vue de choisir un architecte.

 

 

Le projet de mosquée est devenu un dossier politique explosif dans tout le pays, opposant plusieurs républicains influents et le plus important groupe juif de défense de la liberté de religion du pays au maire de New York, Michael Bloomberg, et à ses alliés.

 

 

Le groupe à l'origine du projet, Cordoba Initative, le décrit comme un centre communautaire à thématique musulmane. Outre une mosquée, le projet comprend notamment une piscine, une école de cuisine et des studios. Ses concepteurs l'imaginent comme un centre d'interaction entre les différentes religions et comme un lieu de rapprochement entre les différents courants de l'islam.

.

Partager cet article
Repost0
1 août 2010 7 01 /08 /août /2010 00:25

209015.

 اللقيطة، مسلسل خليجي يتناول حياة فتاة دفعت الكثير ثمناً لذنب لم ترتكبه. بعد أن وجد عبدالله طفلة أمام المسجد، يقرر أن يريبها وان يمنحها اسمه لانه حرم من نعمة الانجاب بسبب زوجته العاقر. وبعد وفاة نورة زوجة عبدالله يتزوج هذا الأخير من خديجة التي تنجب له محمد والعنود. تبقى قصة هبة اللقيطة سراً إلى أن يضطر عبدالله إلى افشائه لأخيه وهو على فراش الموت.

تعمل هبة في مجال التمريض لتعيل إخوتها، وتحاول أن تكون سنداً لجميع من حولها من أقارب وأصدقاء.

وتجمع علاقة حب بين هبة وابن عمها طلال، فيكشف العم سر اللقيطة أمام ابنه كي يحول دون زواجهما ويضيع طلال بين حبه وبين فكرة أن تكون لقيطة. وتتعرض هبة بدورها لصدمة كبيرة عندما تعرف حقيقتها بعد أن بدا الجميع يبتعد عنها. ولكنها تقرر بكل شجاعة أن تستعيد ثقتها بنفسها تستأنف حياتها وتتمكن من تخطي جميع المطبات التي تتعرض لها.

اللقيطة من تأليف طالب الدوس ومن اخراج محمد دحام الشمري.

أما البطولة فهي لجاسم النبهان، طيف، حسن البلام، هيفاء حسين، زهرة عرفات والعديد من وجوه الشاشة الخليجية.

.

Partager cet article
Repost0
1 août 2010 7 01 /08 /août /2010 00:19

209015.jpg.

1. مسلسل زوارة خميس
تأليف :
هبة مشاري حمادة
إخراج :
محمد القفاص
بطولة :
سعاد عبدالله و محمد المنصور و الهام الفضالة و خالد أمين و خالد البريكي و مشاري البلام و لمياء طارق و حمد العماني و مرام و فاطمة الصفي و شجون الهاجري و ملاك و حسين المهدي و بثينة الرئيسي و عبدالله بهمن و غدير صفر و ياسه و أمل العنبري و حمد اشكناني
قنوات العرض :
الوطن و ابوظبي


2. مسلسل متلف الروح
تأليف :
مهدي الصايغ
إخراج :
أحمد يعقوب المقلة
بطولة :
غانم السليطي و هيفاء حسين و عبدالمحسن النمر و زهرة عرفات و فاطمة الحوسني و أحمد إيراج و أنور أحمد و ابتسام العطاوي و هدى سلطان و علي الغرير و حسن محمد و شيماء جناحي
قنوات العرض :
Mbc و تلفزيون البحرين


3. مسلسل أميمة في دار الأيتام
تأليف :
هبة مشاري حمادة
إخراج :
منير الزعبي
بطولة :
هدى حسين و إلهام الفضالة و طيف و لمياء طارق و شجون الهاجري و فاطمة الصفي و ملاك و بثينة الرئيسي و نجوى و الهام محمد و شوق و فهد باسم عبدالأمير
قنوات العرض :
الراي و سما دبي



4. مسلسل خيوط ملونة
تأليف :
عبدالعزيز مبارك الحشاش
إخراج :
منير الزعبي
بطولة :
عبدالعزيز جاسم و اسمهان توفيق و هبة الدري و زهرة عرفات و ناصر محمد و عبدالله عبدالعزيز و هدية سعيد و مروان صالح و مروة محمد و مـي و نجوى و عبدالرحمن المطوع
قنوات العرض :
دبـي و تلفزيون قطر



5. مسلسل أيام الفرج
تأليف :
عبدالعزيز مبارك الحشاش
إخراج :
جمعان الرويعي
بطولة
غانم الصالح و اسمهان توفيق و باسمة حمادة و خالد أمين و خالد البريكي و مشاري البلام و غدير صفر و مريم حسين و أسامة المزيعل و يوسف الحشاش و نادية العاصي و فهد باسم عبدالأمير
قناة العرض :
الراي



6. مسلسل ليلة عيد
تأليف :
حمد بدر
إخراج :
حسين أبل
بطولة :
حياة الفهد و غانم الصالح و أحمد الجسمي و قحطان القحطاني و سلمى سالم و جواهر و شذى سبت و مريم حسين و سناء صالح
قنوات العرض :
Mbc و الوطن



7. مسلسل أنين
تأليف :
مها حميد
إخراج :
محمد دحام الشمري
بطولة :
صلاح الملا و لطيفة المجرن و ابراهيم الحساوي و يعقوب عبدالله و محمود بوشهري و شيماء علي و فيصل العميري و صمود و غرور و أفراح و عبدالمحسن القفاص و أحمد البارود
قناة العرض :
الوطن



8. مسلسل ساهر الليل
تأليف :
فهد العليوة
إخراج :
محمد دحام الشمري
بطولة :
جاسم النبهان و أحمد الصالح و حسين المنصور و جواهر و هيا عبدالسلام و عبدالله بوشهري و فؤاد علي و أفراح
قنوات العرض :
الوطن و أبوظبي



9. مسلسل فص كلاص
بطولة :
محمد جابر و حسن البلام و عبدالناصر درويش و أحمد العونان و شوق
قناة العرض :
الوطن



10. مسلسل الحب الي كان
تأليف :
فاطمة الصولة
إخراج :
شيرويت عادل
بطولة :
محمد المنصور و منصور المنصور و حسين المنصور و فرح بسيسو و سناء يونس و سلمى سالم و مها محمد و صمود و منصور حسين المنصور
قنوات العرض :
تلفزيون الكويت و تلفزيون قطر



11. مسلسل إخوان مريم
تأليف :
شريدة المعشوجي
إخراج :
عزمي مصطفى
بطولة :
غانم الصالح و جاسم النبهان و عبير الجندي و زهرة عرفا و مشاري البلام و يعقوب عبدالله و مرام و هند البلوشي و مشعل الجاسر و شوق و طارق الكندري
قنوات العرض :
تلفزيون الكويت و الشارقة



12. مسلسل بنات آدم
تأليف :
جمال سالم
إخراج :
أحمد يعقوب المقلة
بطولة :
غانم السليطي و حبيب غلوم و سميرة أحمد و باسمة حمادة و هيفاء حسين و عبدالله عبدالعزيز و زينة كرم و نجية زينل و مروة راتب و آلاء شاكر
قناة العرض :
تلفزيون الكويت



13. مسلسل تصانيف
تأليف :
غانم السليطي
إخراج :
محمد العوالي
بطولة :
غانم السليطي و عبدالعزيز جاسم و زهرة عرفات و هدية سعيد و عبدالله ملك و ابتسام عبدالله و عبدالحميد الشرشني و نجوى
قناة العرض :
تلفزيون قطر و تلفزيون الكويت



14. مسلسل السندباد بن حارب
تأليف :
خليفة العريفي
إخراج :
غافل فاضل
بطولة :
--- لحد الحين ما اعلنوا عن الابطال --- بس من بينهم مشعل الجاسر
قناة العرض :
تلفزيون الكويت



15. مسلسل ليلى 2
تأليف :
ليلى الهلالي
إخراج :
عامر الحمود
بطولة :
هيفاء حسين و إبراهيم الزدجالي و صباح الجزائري و لطيفة المجرن و محمد ياسين و ملاك و نجوى و آلاء شاكر
قنوات العرض :
تلفزيون البحرين و ابوظبي



16. مسلسل سوالف طفاش 2
تأليف و إخراج :
يوسف الكوهجي
بطولة :
علي الغرير و فاطمة عبدالرحيم و خليل الرميثي و سعد البوعنين و أحمد عيسى و نورة البلوشي و أمينة القفاص و سارة البلوشي
قناة العرض :
تلفزيون البحرين



17. مسلسل أصيل
تأليف و إخراج :
أحمد الفردان و حسين الحليبي
بطولة :
فاطمة عبدالرحيم و مبارك خميس و سامي رشدان
قناة العرض :
تلفزيون البحرين


18. مسلسل الصراع
إخراج :
حسن أبوشعيره
بطولة :
عبدالرحمن العقل و إبراهيم الحربي و عبدالرحمن الخريجي وسعيد قريش و محمد الحجي و طلال السدر و يلدا و مطرب فواز
قناة العرض :
التلفزيون السعودي


19. مسلسل مزحة بزحة
بطولة :
فايز المالكي و سعاد علي و فخرية خميس
قناة العرض :
التلفزيون السعودي



20. مسلسل شر النفوس 3
تأليف و إخراج : نايف الراشد
بطولة : مريم الصالح و نايف الراشد و شيماء علي و انتصار الشراح و شفيقة يوسف و هند البلوشي و بثينة الرئيسي و محمد الفلاح و وليد العنزي و الهنوف و الجوهرة
قناة العرض :
Mbc



21. مسلسل طماشة 2
بطولة : جابر نغموش و حبيب غلوم و هيفاء حسين
قناة العرض :
دبي


22. مسلسل زمن طناف
بطولة :
جابر نغموش و فاطمة الحوسني و رزيقة الطارش و مروان عبدالله صالح
قناة العرض :
سما دبي



23. مسلسل أحلام سعيد
بطولة :
سميرة أحمد و هيا الشعيبي و شيماء سبت
قناة العرض:
سما دبي


24. مسلسل بنات شمه
بطولة :
سميرة أحمد
قناة العرض :
سما دبي



25. مسلسل ما أصعب الكلام
تأليف :
وداد الكواري بالاشتراك مع كاتب شاب اماراتي
اخراج :
ياسر الياسري
بطولة :
غازي حسين و ياسر المصري و شهد الياسين و فاطمة عبدالرحيم و عبدالله بوعابد
قناة العرض :
أبوظبي الامارات


26. مسلسل الغافة
تأليف :
محمد سعيد الضحاني
إخراج :
شعلان الدباس
بطولة :
سيف الغانم و بدرية أحمد و ليلى سلمان
قناة العرض :
أبوظبي الإمارات



27. مسلسل حيتان و ذئاب
تأليف :
حمد بدر
إخراج :
شعلان الدباس
بطولة :
صلاح الملا و جاسم النبهان و إلهام الفضالة و هدى حمادة و مشاري البلام و غدير صفر و فاطمة الطباخ و نواف النجم
قناة العرض :
تلفزيون الكويت



28. مسلسل ريح الشمال 2
تأليف :
جمال الصقر
إخراج :
مصطفى رشيد
بطولة :
محمد المنصور و اسمهان توفيق و سيف الغانم و شهد الياسين
قناة العرض :
سما دبي



29. مسلسل كريمو
تأليف :
ضيف الله زيد
إخراج :
محمود الدوايمة
بطولة :
داوود حسين و طيف و هبة الدري و زهرة الخرجي و يلدا بثينة الرئيسي و شوق و حسين المهدي و عبدالله بهمن و مبارك سلطان
قنوات العرض :
فنون و الراي و العدالة



30. مسلسل زمان مرجان
تأليف :
أيمن الحبيل
إخراج :
مازن الجبلي
بطولة :
طارق العلي و جمال الردهان و محمد العجيمي و عبدالامام عبدالله و منى شداد و هند البلوشي و محمد الحملي
قناة العرض :
فنون



31. مسلسل العب غيرها
تأليف :
مشعل الرقعي
إخراج :
مناف عبدال و حسن اشكناني
بطولة :
أحمد العونان و خالد العجيرب و محمد العجيمي و باسمة حمادة و يعقوب عبدالله و محمود بوشهري و عبدالله بوشهري و غرور
قناة العرض :
فنون


32. مسلسل البلشتي
تأليف : حمد الشهابي
بطولة :
أحمد السلمان و سعاد علي و أحمد العونان و خليفة خليفوه و سمير القلاف عماد العكاري
قناة العرض :
العدالة



33. مسلسل يا صديقي
بطولة :
حسين المنصور و طيف و سلمى سالم و صمود و مادلين مطر و محمد رياض
قناة العرض :
العدالة



34. مسلسل للحياة ثمن
تأليف :
اسمهان توفيق
اخراج :
مازن ملص
بطولة :
جاسم النبهان و فاطمة عبدالرحيم و بدرية أحمد و مشعل الجاسر و منى عبدالمجيد و مها النمر
قناة العرض :
سكوب


35. مسلسل الرهينة
تأليف :
إبراهيم الحربي
إخراج :
البيلي أحمد
بطولة :
هدى حسين و إبراهيم الحربي و شيماء علي و نواف النجم
قناة العرض :
فنون



36. مسلسل عجيب غريب 2
تأليف :
جمال سالم
بطولة :
أحمد الجسمي و رزيقة الطارش و آلاء شاكر و مرعي الحيلان
قناة العرض :
دبي



1. مسلسل زوارة خميس MBC و تلفزيون البحرين 4. مسلسل خيوط ملونة 5. مسلسل أيام الفرج 6. مسلسل ليلة عيد MBC و الوطن 8. مسلسل ساهر الليل 9. مسلسل فص كلاص 10. مسلسل الحب الي كان 15. مسلسل ليلى 2 17. مسلسل أصيل 19. مسلسل مزحة بزحة 20. مسلسل شر النفوس 3 MBC 22. مسلسل زمن طناف 24. مسلسل بنات شمه 25. مسلسل ما أصعب الكلام 26. مسلسل الغافة 29. مسلسل كريمو 30. مسلسل زمان مرجان 31. مسلسل العب غيرها 32. مسلسل البلشتي 34. مسلسل للحياة ثمن 35. مسلسل الرهينة 3. مسلسل أميمة في دار الأيتام 7. مسلسل أنين 11. مسلسل إخوان مريم 12. مسلسل بنات آدم 13. مسلسل تصانيف 14. مسلسل السندباد بن حارب 16. مسلسل سوالف طفاش 2 18. مسلسل الصراع 33. مسلسل يا صديقي 36. مسلسل عجيب غريب 2 2. مسلسل متلف الروح 23. مسلسل أحلام سعيد 27. مسلسل حيتان و ذئاب 28. مسلسل ريح الشمال 2

.

Partager cet article
Repost0
31 juillet 2010 6 31 /07 /juillet /2010 22:58

.

Une église de Floride organise une «journée internationale pour brûler le Coran» à la date anniversaire des attentats du 11 septembre 2001, une initiative dénoncée par des associations musulmanes comme une manifestation de la hausse de l'islamophobie aux États-Unis.

 

L'église «Dove World Outreach Center» («atteindre un monde de paix») invite à brûler le 11 septembre prochain des exemplaires du Coran devant ses portes à Gainville, à quelque 500 km au nord-est de Miami, et invite d'autres centres religieux à en faire autant, pour se souvenir des victimes des attentats et combattre «le démon de l'islam».

 

«L'islam et la charia sont responsables du 11-Septembre. Nous allons brûler des Corans car nous pensons qu'il est temps pour les chrétiens, pour les églises, pour les responsables politiques de se lever et de dire: "non, l'islam et la charia ne sont pas les bienvenus aux États-Unis"», a déclaré à l'AFP le pasteur Terry Jones, qui organise cette manifestation.

 

«Nous avons reçu beaucoup de menaces de mort de groupes jihadistes, mais nous ne pouvons pas réagir par la peur et nous ne pouvons pas compromettre nos croyances. Quelqu'un doit se lever», a ajouté le pasteur.

 

Des membres d'un forum sur internet défendant le jihad, Al-Falluja, ont réagi en menaçant de faire couler «des rivières» de sang américain.

 

«Malheureusement, dans cet État comme dans tout le pays, l'islamophobie est en augmentation», a réagi auprès de l'AFP Ramsey Kilic, porte-parole du Centre pour les relations islamo-américaines (CAIR).

 

Pour soutenir l'action du pasteur Jones, un groupe s'est formé sur Facebook (International Burn a Koran Day), sur lequel se sont déversés ces derniers jours des commentaires haineux et xénophobes entre partisans et opposants à l'initiative.

 

Sur sa page internet (www.doveworld.org), l'église animée par Terry Jones, auteur d'un livre intitulé «L'islam, c'est le diable», propose aussi d'autres activités, comme une manifestation le 2 août contre l'homosexualité.

.

Partager cet article
Repost0
31 juillet 2010 6 31 /07 /juillet /2010 12:35

.

ستعرض هذه المساهمة خلاصة مركزة لأهم ما جاء في الأطروحة الجامعية المتمحورة حول موضوع "الحركات السلفية في المغرب (1971م - 2004م)، ونال بها الباحث درجة الدكتوراة في القانون العام، تخصص علم السياسة، في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.

التعريف والمنهجية والإشكاليات

حتى بعد انقضاء وقت طويل من بداية الاشتغال حول هذا الموضوع، لم نفلح في العثور على تعريف مناسب للمفهوم المركزي في هذا البحث، وهو السلفية، لكن بتقدم البحث الميداني في أوجه نشاط الحركات السلفية العاملة في المغرب خلصنا إلى صياغة مقصودنا من هذا التعبير، إذ يدل مفهوم السلفية على نزعة احتجاجية على التطويرات التي طرأت على المستويات الثلاثة للدين؛ المستوى العقائدي والفكري والتعبدي. فمن الناحية العقائدية تهتم النزعة السلفية بعملية إعادة تقنين الدين، هادفة إلى الترشيد الميتافيزيقي والأخلاقي للعقائد كما هي معاشة بالفعل.

ومن الناحية الفكرية تقتصر السلفية على استخدام القاموس الإسلامي الأصلي، وتتخذ من قيم الإسلام - حسب المعنى الذي يحدده هذا القاموس - المعيار الوحيد في النظر والحكم، ومن النص الأصلي مرجعه النهائي في التدليل والإثبات، دون أن تستوحي عناصر فكرية مستقلة من خارج الأصولية الإسلامية للاستعانة في تبريراتها الفكرية ودفاعها العقائدي.

وعلى المستوى التعبدي تهتم النزعة السلفية بعملية إعادة تقنين الشعائر الدينية، بتوحيد نماذجها، وكلماتها، وإشاراتها، وإجراءاتها، لكي يحافظ على النشاط الشعائري الأصلي في مواجهة البدع المستجدة.

أما من الناحية السوسيولوجية (الاجتماعية) فتتمظهر هذه النزعة الدينية وتتجلى في حركات ذات طابع طائفي، وهي - كما يعرفها علم الاجتماع - حركات تحاول ضمان الاستقلالية تجاه العلاقات الاجتماعية السائدة. إنها حركات اجتماعية تتبنى تدينا طائفيا راديكاليا ترفض بموجبه المؤسسات الاجتماعية والسياسية، وتنزع إلى الحفاظ على أقصى حد من الحرية تجاه ما درج عليه المجتمع الرسمي من عادات وسلوكيات دينية، مستوحيا طقوسه الخاصة من مذهبية دينية أخرى، أو من تأويل مختلف للديانة الرسمية.

ومن حيث أهمية هذا البحث، يمكن اعتبار موضوع الحركات السلفية أحد مواضيع الساعة، فقد أثارت أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية انتباه العالم إلى هذه الحركات، واعتبرت العديد من الأوساط أن المذهبية التي تعتنقها هذه التنظيمات مسئولة أدبيا عن ما جرى؛ لأنها وفرت المرجعيات النظرية التي تشبع بها مرتكبو تلك الأحداث. لذلك أصبحت الظاهرة مثار اهتمام كبير، وموضوعا ترسم في ضوئه الإستراتيجيات الدولية، وتوضع السياسات العامة الوطنية خصوصا بعد تكرار تلك الأحداث في أكثر من دولة، بما فيها الدول العربية والإسلامية، كالمغرب الذي ازداد فيه الجدل بشأن الحركات السلفية مباشرة بعد أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء.

وبقدر ما استأثرت الظاهرة بالاهتمام الدولي والوطني؛ أنتجت طلبا اجتماعيا كبيرا لفهم هذه الظاهرة ومسبباتها؛ ما يجعل أهمية البحث تنبع من كونه يطمح إلى أن يكون جسرا للتبادل بين البحث الأكاديمي والطلب الاجتماعي الذي قد لا تسعفه المقاربات الأخرى في الوصول إلى فهم واقعي وهادئ لظاهرة الحركات السلفية، خصوصا وأن مساهمات الصحفيين وركوب السياسيين للموضوع أضفت على الموضوع إشهارا قويا.

كما أنه من خلال الاهتمام بظاهرة هذه الحركات السلفية، سعينا إلى إثراء البحث حول الإسلام المغربي وفهمه من خلال فهم بعض مظاهر التدين السائدة في تخوم هذا المجتمع، هذا التدين الذي يعبر عن نفسه ومناسباته وطقوسه بطرق متنوعة ومتعددة؛ إذ يندرج هذا البحث في إطار المساهمة في تعميق المعرفة الميدانية بمختلف تمظهرات الحياة الدينية للمغاربة، خطابات كانت أو ممارسات، ويرجو تحقيق القرب من الواقع الاجتماعي وأنواع التعبير الديني التي تتلبس به. فإذا كان المضمون الديني بالمغرب يبث بأشكال متعددة ومتنوعة، فإن من المهم بمكان القيام بمحاولات تروم القرب من مختلف التعبيرات الدينية في علاقتها بالتغيرات التي يعرفها المجتمع.

أما عن إشكالية البحث فلم يتم صياغتها إلا بعد مراحل متعددة، ابتدأت بالاهتداء بالخلاصات المستنتجة من التراث النظري المتحصل؛ دراسة الطوائف الدينية من جهة، وبالاستئناس بالأبحاث التي اهتمت بالتجربة الدينية بالمغرب على قلتها من جهة ثانية، ثم بعد المعالجة الذاتية للمادة التي توفرت بفضل البحث الميداني من جهة ثالثة. فبغية الابتعاد عن السجال الدرامي الذي احتل الساحة الإعلامية والسياسية حول هذا الموضوع، قمنا بتأطير البحث في خانة محددة، تعاد فيها صياغة الأسئلة بطريقة تغدو معها الحركات السلفية - موضوع الدراسة - مؤشرا على التحولات التي يعرفها واقع التدين في المغرب.

ذلك أن الممارسات الدينية في المغرب تظهر تعددا سوسيولوجيا يتعلق بأشكال التدين الموجودة في المجتمع، فهناك أنماط تدين وتعبد متنوعة غير قابلة لأن تحصر في قالب مذهبي محدد، ولكن وسط هذا الواقع المتحول وجدت حركية أدت إلى إضعاف أنماط التدين التقليدية وبروز أخرى أنتجت تصورات دينية ورموزا غير مرتبطة بالبيئة المحلية ضرورة، لكنها مسايرة للواقع الاجتماعي المغربي من حيث اتجاه حركة التدين إلى حياة دينية مؤسسة على الفردية وتحقيق الذات. فإلى أي حد تترجم الحركات السلفية التي كانت محل الدراسة هذه الحركية التي يعرفها حقل التدين في المغرب؟

أما عن فرضية البحث فتمت صياغتها كالتالي: لا يعد بروز السلفية سواء كمعتقدات أو كحركات، بأي حال من الأحوال، مؤشرا على أي انشطار عقدي أو مذهبي بالمغرب على نحو ما تصوره السجالية المجتمعية، بقدر ما هي تعبير عن بعض مظاهر التحول السوسيولوجي الذي تشهده أنماط التدين في المغرب، فقد غدت النماذج الكلاسيكية للتدين في المجتمع المغربي ضعيفة ولم تعد تمارس دورا معياريا؛ الأمر الذي عنى بالنسبة لنا أن تلك النماذج هي في الطريق إلى أن تغدو كلامية ومتحجرة وتتجه شيئا فشيئا إلى فقدان تأثيرها، ومن ثم تشكل السلفية محاولة لسد هذا الفراغ، ووسيلة لكي يسترجع الدين دوره المعياري. إذ بواسطة هذه المذهبية وعبر خطابها وأنماط فعلها وتنظيمها يجد الدين فرصة للمقاومة والتحول والاستيلاء على مواقع ومجالات جديدة بما فيها مواقع التدين التقليدية.

ولقد اختارت هذه الدراسة تناول موضوع الحركات السلفية بالمغرب من منظور سوسيولوجي، مستهدفة قراءة هذه الحركات كظاهرة اجتماعية وثقافية ونفسية، ثم قياس حجمها الحقيقي ومدى حضورها وسط الشرائح الاجتماعية، وقدراتها على الاستقطاب والتعبئة المذهبية، إذ لا ينبغي للباحث أن يعتبر الاهتمام الذي حظيت به من قبل السياسات الدولية والوطنية مؤشرا كافيا على أهمية الظاهرة؛ لأن ذلك لا ينهض معيارا على كونها ذات شأن من حيث المعطيات السوسيولوجية بالضرورة، بل لا مناص له من النزول إلى الحالات الميدانية، وتتبع أساليب البحث الجزئية الصعبة حتى يتمكن من قياس تلك الأهمية.

ولا بد من الإشارة في هذا التقديم، إلى حجم المشاكل التي اعترضت البحث الميداني، والتي حتمت التضحية ببعض الخطوات المنهجية المعتادة في البحث السوسيولوجي التي لم تعد تجدي في حالتنا هذه؛ ما حتم إجراء تغييرات راديكالية في معظم محطات هذا البحث. ويمكن اختصار هذه المشاكل بنقطتين أساسيتين:

الأولى: لزوم التكيف مع المناخ الطائفي الذي تعمل فيه هذه الحركات خصوصا وذلك على المستويين التعبيري والمظهري، حتى لا تمثل شخصية الباحث أية عرقلة أمام بحثه، بما يقتضيه ذلك من إظهار قدر من مشاركة المستجوبين في رؤيتهم للعالم، وهي مهمة يصعب التكيف معها من الناحية النفسية كما تسبب معاناة من الناحية الوجدانية.

والثانية: انغلاق ميدان البحث مباشرة بعد أحداث 16 مايو 2003 الإرهابية بالدار البيضاء، حيث أصبحنا محل شك العديد من الأطراف التي سبق إقناعها بفكرة البحث والتعاون معنا، فرغم إلحاحنا المتكرر على إعادة التأكيد على شرعية صفتنا البحثية بعد 16 مايو، فإن الظرف كان أقوى من أية حجة يمكن تقديمها أو المفاوضة بها لحل هذا الأشكال.

وقد دفعتنا هذه المشاكل إلى تبني إستراتيجية بحثية تترك جانبا الخطوات المنهجية المعتادة في البحث السوسيولوجي وتتبع أساليب غير مباشرة ومنها:

إخفاء الهوية البحثية والدخول في التنظيمات السلفية على هيئة التابع؛ وتغيير دار القرآن التي كنا نتردد عليها مرارا؛ ما كان يمكن من متابعة البحث الميداني في دور أخرى مع الانتقال الدوري بينها مخافة جلب الانتباه؛ والبحث عن وسطاء من الشخصيات والتنظيمات المقصودة بالبحث وتقصي المعلومات من خلالهم.

بنية الدراسة

ومن حيث هندسة البحث، فقد تم تقسيمه إلى قسمين أساسين، تمت العناية في أولهما بالسلفية باعتبارها أيديولوجيا دينية، وهو ما يعني أننا لم نعالج السلفية باعتبارها مجرد وثوقيات تنشد الترشيد العقائدي والتعبدي، ولكن باعتبارها منظومة تقوم بتأطير ذلك المجموع المتناسق من الصور والأفكار المصاغة في مفاهيم ومعايير ينطلق منها المشروع السلفي لصياغة رؤاه للعالم.

وانطلاقا من هذا الاعتبار كان سعينا في هذا القسم متمثلا في ثلاث مهمات رئيسة هي:

1- تفكيك وإعادة تركيب المعتقدات الدينية التي تقبع خلف ما سميناه الأيديولوجية السلفية.

2- تفكيك الجهاز الأيديولوجي للخطاب السلفي، وبسط ما يحتويه من رموز ومعان.

3- اكتشاف نوع البراديم Paradigm - النموذج المعرفي- الذي يشكل الناظم الداخلي للعقيدة السلفية، وذلك من أجل الوقوف على الشكليات التي يتم من خلالها إنتاج قضايا هذه العقيدة، ومحاكمة الأفكار السائدة من حولها، والتصريح بصوابها من عدمه.

وقد أثرنا بعض الأسئلة التي أخضعناها للتحليل ضمن هذا القسم ومن أهمها:

كيف ترتسم فكرة الله في الذهن السلفي؟ وما هو البراديم الذي ينتجه الاعتقاد بهذه الفكرة ويصدر عنه الذهن السلفي عندما ينتج المقولات الأخرى المرتبطة بهذه العقيدة؟

إذا كانت المقولات المركزية للأيديولوجية السلفية متمحورة حول هذا التوحيد باعتباره أهم مكونات التدين، فما هي المعاني الظاهرة والرمزية لفكرة التوحيد عند السلفية؟ وإلى أي حد ساهمت هذه الفكرة في بناء باقي الأفكار السائدة داخل هذا النسق الاعتقادي؟

إذا علمنا أن فكرة التوحيد هي الفكرة الأساس عند كل التشكلات الأيديولوجية الإسلامية؛ فبماذا تتميز فكرة التوحيد كما يتبناها السلفيون؟ هل ينتج الانطلاق منها تعددا في أسلوب الاعتقاد بالفكرة أم أن هناك تمثلا واحدا لهذه العقيدة؟

وقد خلصنا من خلال معالجة هذه الإشكالات إلى استنتاج عام مفاده أن ما يجعل من الأيديولوجية السلفية محل جاذبية كبيرة هي أنها تعمل على إعادة صياغة معتقدات الإسلام في شاكلة أكثر تبسيطا، فهي مذهب ديني موجه لا إلى النخبة المتمكنة من وسائل التنظير والحِجاج، وإنما إلى أناس في حاجة إلى فهم لما يعتقدون، في حاجة إلى عقيدة بسيطة بإمكانهم إدراكها حسب إمكاناتهم الذاتية والتحدث عنها مع الآخرين من أمثالهم، دون أن يتيهوا في الكثير من المتاهات الأيديولوجية.

من هذه الوجهة يمكن القول إنه من خلال مسألة التوحيد فإن السلفية تستبطن إعادة تشريع العلاقة بالأشياء المقدسة من خلال ربط المؤمنين بمفاهيم بسيطة، ما دام أن الاعتقاد بالتوحيد عندها لا يتطلب سوى الاعتقاد بالله كما وصف به سبحانه نفسه في الكتاب والسنة من دون تأويل، كما أنه من خلال هذه المقولة، يصبح الإيمان عند السلفية وحدة كمية قابلة للقياس، بحيث يمكن في كل وقت وحين اختبار سلوكيات المؤمن وممارساته التعبدية.

السمات العامة للخطاب السلفي

في سياق تفكيك الجهاز الأيديولوجي السلفي تم رصد ومعالجة السمة العامة للخطاب السلفي وهي التصلب المذهبي، والذي أرجعناه إلى مبدأين تتسم بهما الأيديولوجية السلفية، وهما: رفض الشرك والإصرار على التوحيد الذي يجب أن يخضع له كل سلوك بشري؛ وكذا الرؤية الصارمة جدا والملتزمة بحرفية القرآن وفق التقليد الحنبلي، والذي يجعل كل شيء يعود إلى منطوق القرآن والسنة.

وتكتسب السلفية تصلبها من كونها محاولة نشطة لتكوين أصولية واحدة لكافة السكان، ونوعا من الإصرار على تأسيس مذهب فقهي متجانس مع العقيدة، وثورة على التقاليد الدينية الكلاسيكية واعتماد الإسلام النصوصي الذي يحيل على القرآن والسنة كمناط كل تفكير وسلوك.

ومن خلال هذا التصلب، بدت لنا الأيديولوجية السلفية كبنية عنف نائمة، يشترك في النطق بها جميع التيارات السلفية، فلا يكاد التمييز بين هذه التيارات يظهر عند مقارنة بعضها ببعض على مستوى بنية الخطاب، اللهم إلا على مستوى ما يفتح عليه هذا الخطاب من سلوكيات، وبالأخص فيما يتعلق بالشرط الموضوعي المتمثل في الموقف من السلطة السياسية تحديدا، ويكاد هذا الشرط يشكل المفصل المميز بين بقاء الخطاب عند حدود العنف الرمزي، أو تلك التي تجاوز ذلك نحو تبني العنف المادي.

وفي فصل آخر وقع الاهتمام بالمصادر المؤسسة للأيديولوجية السلفية، وكان الغرض هو الوقوف على كيفية مساهمة المصادر في بناء هذه النزعة الدينية، واكتشاف أثر الظروف التاريخية والثقافية التي أحاطت بهذه المصادر في تشكيلها لهذه الأيديولوجية.

وقد أمدنا تتبع تحليل سير ومسارات الآباء المؤسسين للأيديولوجية السلفية بإمكانية تصنيف الحركات السلفية العاملة اليوم بحسب نوع التأثير الذي مارسه هؤلاء عليها والطرق التي تلقت بها أفكارها، فمن هذه الحركات من تأثر بالجانب العملي في فكر هؤلاء؛ ما يعني مقارعة المذاهب المخالفة، ومنها من تأثر بالجانب العملي والبحثي، ومنها - أخيرا - من تأثر بالجانب الجهادي ضد ما يعتبر في متن السلفية "أعداء الإسلام" في الداخل والخارج.

كما اهتم البحث في إطار تحليله لأيديولوجيا الحركات السلفية باكتشاف البراديم الذي يخترق الخطاب السلفي، وقد قصدنا بالبراديم هنا: ذلك الطابع الذي تصدر به الأيديولوجية السلفية، إنه الأنموذج الذي يساعد الخطاب على حل جميع المعضلات المعرفية التي تعترضه، والذي يتحول لعقل مركزي حاكم على مجموع الإنتاج الفكري السلفي على جميع المستويات، وقد أمكن وصف النظام التي تصدر عنه السلفية بوصفين جامعين: النصوصية والشكلانية.

وفي إطار إخضاع الأيديولوجية السلفية للتحليل الأنثروبولوجي، أولى البحث اهتماما كبيرا بالطقوس التي يتعبد بها السلفيون، فمن خلال الاطلاع على الوثائق المذهبية للحركات السلفية محل الدراسة وملاحظة ممارستها الطقوسية التي تقام داخل مقراتها، تبين لنا أن من الأهداف التربوية الكبرى لدى هذه الحركات النجاح في أن يعكس أداء الأتباع السلوك النموذجي المرغوب فيه والتعبير عنه بواسطة سلوكيات قابلة للملاحظة؛ فالسلفي الحقيقي عند هذه الحركات هو ذلك الشخص الذي يحرص على ظاهر الأشياء، ولا يقبل أن ينسب إلى التدين شيء مخالف لما هو نمطي ومحدد بقواعد.

إن اهتمام الأيديولوجية السلفية بالعبادات والطقوس التي يجب أن يقوم بها التابع يجعل منها مشروعا ذا إستراتيجية شاملة ترمي إلى إصلاح جميع أوجه الحياة الدينية، اعتقادات كانت أو سلوكيات، تحمل السلفية إذن تصورا سلوكيا للحياة الدينية يتوجب أن تتحول التعاليم السلفية إلى سلوكيات ملموسة، وليس إلى مجرد تعلق عاطفي بالدين لا أثر له في السلوك.

وإزاء الواقع العبادي الموجود التي تعتبره السلفية بدعيا، تعبر السلفية عن حركة رفض للتجليات الثقافية والسوسيولوجية للإسلام المحلي لصالح الانتصار للإسلام المجرد؛ فبصفة ضمنية يقول السلفيون بأن الإسلام فقد على الأرض نقاءه وصفاءه الأصليين، ليصبح مرتعا لأنواع من القداسة المحلية التي تستمد مشروعيتها من مجرد التأثر بظروف الزمان والمكان وليس من المقتضيات الأصلية للإسلام.

وبغض النظر عن التبرير الديني الذي يستند إليه هذا الهجوم على الطقوس البدعية، فإن له آثارا سوسيولوجية وهي التقليص من قدر العبادات إلى حدودها الدنيا التي تتطلبها التعاليم الدينية. ومن ذلك يمكن اعتبار السلفية نزعة عبادية تقشفية وحركة احتجاج على التطويرات المحدثة قي مجال العبادة.

طرق تلقين الأيديولوجية السلفية

كان الفصل الأخير من القسم الأول فرصة لدراسة طرق تلقين الأيديولوجية السلفية كما تم تفصيلها في الفصول السابقة، ويختزل الخطاب السلفي مضمون هذا التلقين وطرقه في مصطلح الدعوة، وهو في العمق عمل نضالي وسيلته الأساسية الوعظ الديني البعيد كل البعد عن الإعداد والتأهيل السياسيين، وهو عمل دائم ومستمر. كما كنا نقوم في كل لحظة من لحظات هذا الفصل بمقارنة عملية التلقين الديني السلفي مع التلقين الديني الذي يتم في المدارس والمعاهد التقليدية في المغرب حتى نقف عند أوجه اختلاف الواقع في تلقين المعرفة الدينية في المغرب.

وعلاوة على الدروس الدينية المعطاة عبر مختلف دور القرآن والمعاهد التابعة للتنظيمات السلفية، يتم التلقين عبر آلية سيكولوجية هي التماهي، فعند الطوائف السلفية يعد التماهي أحد الآليات التي تؤدي إلى بناء الهوية الطائفية كونها محصلة نهائية لمسلسل طويل من عملية التلقين المستمرة، إذ بواسطة التماهي يتعلم التابع الكثير من الأنماط السلوكية المطلوبة وذلك عبر مشاهدتها عند غيره وتسجيلها في شكل إدراكات حسية أو استجابات رمزية، يستخدمها في تقليد السلوك الذي يلاحظه، أو في الحصول على المعلومات التي تمكنه من استخدام ذلك السلوك في مواقف أخرى، ويتحقق هذا التماهي من خلال الأداء الجماعي والموحد للطقوس الدينية، واستعمال المقابلات الرمزية التي تعوض الأسماء الحقيقية للأتباع، والتمظهر بسمت واحد، ما يمكن معه اعتبار السلفية ذات نزعة تدينية استعراضية وممارسة عيانية العقيدة.

وفي المقابل وقفنا على حالات لفاعلين لم تنتج معهم آلية التماهي آثارها السابقة خصوصا لدى الأشخاص الذين نجحوا في تطوير إمكاناتهم الإدراكية، بحيث أصبح تكوينهم ومستوى معارفهم يقف حائلا دون إتمام عملية التماهي، بحيث تبرز عندهم بعض التحفظات حول سلوكيات الجماعة وأساليب عمل زعمائها، وبالتالي على توجهات المجموعة ككل، ما تسبب للتنظيمات السلفية في انشقاقات فردية وجماعية في صفوف تنتهي إلى تكوين تنظيمات أخرى.

تيارات الحركة السلفية

وفي نهاية هذا القسم انتهينا إلى خلاصتين عامتين وتصنيف إجمالي نوجز من خلالهما كل ما طرح بشكل تركيبي. وهكذا فبعد معالجة الأيديولوجية السلفية واكتشاف معانيها الصريحة والرمزية خلصنا إلى نتائج محورية، وهي:

يصدر الخطاب السلفي عن أيديولوجية واضحة تتلخص في عقيدة التوحيد، والتي تضع - كهدف نهائي - تجريد الأشخاص والأشياء والأفكار من صفة القدسية، وإعادة توظيف العاطفة الدينية في أشكال محددة بدقة يعتبرها السلفيون ترجمة صحيحة للتعاليم الإسلامية الأصلية.

يؤدي وضوح هذا الهدف الأيديولوجي إلى تماثل كبير بين الأفكار السلفية أيا كان القائلون بها، بحيث نجد لديهم مقاومة كبرى للتغير الذي يمكن أن يطال هذا السقف الأيديولوجي، وبذلك لا يمكن التمييز بين الخطابات السلفية، من حيث مرونتها وتشددها، إلا من خلال تفاصيل صغيرة جدا.

وعلى هذا الأساس يمكن التمييز بين تيارين مهمين يتجاذبان الدعوة السلفية المعاصرة وهما:

أ- التيار المحافظ:

وهو التيار الذي يعتبر أن أساس الدعوة هو معرفة الله بذاته وأسمائه وصفاته من خلال ما وصف به نفسه وما وصفه به رسله من غير تأويل، ونفي كل ما يمس بذلك على مستوى التصور الديني والممارسة الطقوسية، ما يجعل بث هذا الاعتقاد أساس المنهج السلفي ومحور كل إصلاح، بحيث يجب البدء بهذا الأصل في كل عملية إصلاح، أما الاهتمام بغير ذلك من أوجه الإصلاح الديني فهي مجرد فروع؛ ما يجعل من صيغ الإصلاح ومناهجه وموضوعاته - عند هذا التيار - ثابتة ولا تتغير تحت ذريعة مراعاة ظروف مكان وزمان الدعوة.

ب- التيار المعتدل:

وهذا يرى أن مختلف جوانب الدعوة السلفية من تربية وتعليم وأمر ونهي وفتوى... كل ذلك قد يتغير في أسلوبه ووسائله، وأيضا في مضمونه بتقديم بعضه على بعض وتأخير بعضه عن بعض؛ لأن ما يصلح لزمان قد لا يصلح لآخر، وما يصلح في الحاضرة قد لا يصلح للبادية، وكذلك الشأن في المجالات المتصلة بصميم الدعوة، أي: العقيدة والعبادة والمعاملة التي قد تختفي أحكامها في بعض الأزمنة، وتظهر في البعض الآخر بحسب معطيات محيط الدعوة وعزيمة الدعاة وأحوال المدعوين.

المواقف الملموسة للسلفيين المغاربة

في القسم الثاني، وبدل المواقف النظرية، وقع الاهتمام أكثر بالمواقف الملموسة للسلفيين المغاربة، وذلك من خلال وصف مكثف للممارسات التي يكشفها الواقع وإبراز القيمة التداولية لهذه الممارسات في الحياة اليومية. وعلى هذا الأساس حظيت الحياة الدينية للمجموعات السلفية محل البحث بنفس القدر من الاهتمام الذي أوليناه لأيديولوجيتها.

كما سعينا من خلال هذا القسم إلى تحقيق قيمة إثنوغرافية مضافة من خلال المعطيات التي نجحنا في جمعها عن طريق البحث الميداني، ومن خلال ما أنجزناه من وصف مكثف لواقع التنظيمات السلفية محل البحث.

هكذا أولت الدراسة اهتماما كبيرا بالحركات السلفية في نشأتها وامتدادها وتوزيعها الجغرافي في مدينة مراكش، وتعززت هذه الدراسة بخريطة تفسر شكل امتداد وتوزيع مقرات التنظيمات السلفية في المدينة، كما نجح البحث الميداني في وضع خريطة أخرى توضح توزيع المقرات التابعة لهذه التنظيمات على المستوى الوطني.

وبعد العرض الاستطلاعي، انتقلنا إلى دراسة الحقل الديني لهذه المدينة بشكل عام، على اعتبار أن الاستعراض المونوغرافي، وإن كان يعرف بالتجليات السوسيولوجية للحركات السلفية، فإنه يبقى قاصرا على إدراك حجم هذا التجلي وأثره بالنسبة إلى باقي المؤسسات والوقائع والطقوس التي تشترك في تأسيس الحقل الديني. لذلك كان حريا بنا دراسة هذا الحقل عبر سلسلة من الدراسات monographs توخت بيان التأثيرات المختلفة لظهور وانتشار الحركات السلفية على مختلف القوى والمؤسسات والطقوس التي تتنازع حول هذا الحقل.

كانت البداية بالزوايا والأضرحة، وكان الهدف من هذه الدراسة الإجابة عن السؤال التالي: ما هو تأثير انتشار الحركات السلفية الحاملة لمشروع تغيير نمط التدين الشائع على ظاهرة عبادة الأولياء والزوايا السائدة والتي توجد مقراتها بكثرة في المدينة؟

وقد خلص البحث إلى نتيجة عامة وهي أنه وبالموازاة مع الانتشار التدريجي للمبادئ والسلوكيات الإسلامية في صيغها السلفية، حدث تراجع كبير لإشعاع الزوايا والأضرحة، إذ بدأت التنظيمات السلفية عملها في السبعينيات بضرب المرتكزات الاجتماعية والثقافية والنفسية لأشكال التدين الممارس في الزوايا والأضرحة؛ ما كان له كبير الأثر في الحد من هذه المؤسسات التقليدية في ممارسة نفس الفعالية. وإن كانت هناك حالات استثنائية عديدة لا تنسحب عليها هذه الخلاصة.

شملت الدراسة الثانية الكتاتيب القرآنية، وكان الأمر الهام الذي اكتشفناه - بفضل الزيارات التي تم القيام بها لعدد من الكتاتيب - هو استثمار العديد من خريجي دور القرآن السلفية في الكتاتيب القرآنية وفي مؤسسات التعليم الأولي بفعل توفرهم على المستلزمات القانونية التي تؤهل لفتح هذه المؤسسات، كما لاحظنا التفاف المعلمين السلفيين على المقررات الجديدة التي وضعها قانون التعليم العتيق، بحيث يتم تحويل هذه المقررات إلى كراسات صورية أو تفسر تفسيرا سلفيا، ولقد وفر استثمار السلفيين في الكتاتيب القرآنية ورياض الأطفال الفرصة للحساسيات السلفية من أجل معاودة الحضور الفعلي في التعليم ضمن إطار مؤسساتي وقانوني. خصوصا بعد إغلاق دور القرآن والمعاهد الدينية السلفية عقب أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء.

كانت الجمعيات الإسلامية محطة الاهتمام في دراسة الحقل الديني بمراكش، وقد تبين من خلال التحليل الميداني استفادة الجمعيات السلفية كثيرا من التناقض الكبير الذي ظل يطبع تدبير الدولة للحقل الديني لفترات طويلة، ويتمثل هذا التناقض في منع الحركات الإسلامية من ممارسة العمل السياسي بشكل طبيعي، في الوقت الذي استمر فيه بالسماح لتيارات أخرى بالدعوة داخل مجتمع يعتبر مسلما. وفي ظل هذا التناقض ظلت الجمعيات السلفية تشتغل بكل حرية تحت شعار تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم العلوم الشرعية ومحو الأمية وتعليم السنة والإسهام في تربية النشء تربية دينية سلفية؛ ما أعطى لعملها فعالية من حيث القدرة على التعبئة.

وقد كانت المساجد محل دراسة أخرى، بحيث تم الوقوف على عدة مساجد ما تزال تحت السيطرة السلفية، بالرغم من كل الإجراءات التي جاءت بها السياسة الرسمية من أجل تأميم المساجد، إذ تستفيد المساجد السلفية في هذا الإطار مما ينسجه السلفيون من شبكات تواصلية دعائية تشجع على رعاية وتجهيز تلك المساجد وبناء أخرى؛ ما يغني هذه الأخيرة عن إعانات الدولة، ويساهم في تعزيز الحركة السلفية على مستوى القاعدة وفي الأحياء وشبكات التعاضد المتآلفة حول المسجد.

انسحب البحث أيضا على التعليم الأصيل الذي يعد بنية من بنيات التعليم في المغرب، وقد تبين أن من روافد التعليم الأصيل الحالية الكتاتيب القرآنية ودور القرآن والمعاهد الدينية والمدارس العتيقة والتعليم العام؛ ما يعني أن قبول حفظة القرآن الكريم المنتمين إلى دور القرآن والمعاهد الدينية السلفية بمؤسسات التعليم الأصيل يمثل اعترافا غير مباشر بشرعية هذه المؤسسات، كما تم اكتشاف انطباع مستوى المادة التعليمية المقررة في التعليم الأصيل بروح سلفية واضحة.

ولإتمام الدراسة المتعلقة بالحقل الديني لمدينة مراكش تم الاهتمام بالمدارس الدينية العتيقة المتواجدة بناحية مراكش تانسيفت الحوز، فقد أبان البحث أن بعض دور القرآن السلفية تقتات على الأزمة التي يعيشها هذا التعليم، إذ يعد ولوج تلك الدور أحد الخيارات المتاحة أمام طلبة التعليم العتيق، خصوصا بعدما تم تضييق الخناق عليهم بفتح المجال أمام حاملي الإجازة من مختلف الكليات التي تدرس العلوم الشرعية لولوج المهن الدينية الرسمية.

بعد إتمام دراسة الحقل الديني بمراكش وقياس درجة حضور وتأثير الحساسيات السلفية فيه، انتقلنا إلى دراسة أسواق الاستقطاب التي ينحدر منها أتباع الحركات السلفية، ففي البداية حددنا عينتين تنتمي كل واحدة منهما إلى الحركتين السلفيتين اللتين اهتمت بهما هذه الدراسة، وهما جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، وجمعية الحافظ بن عبد البر، وكان من أهم أهداف المقابلتين اللتين أجريتا مع أتباع التنظيمين معرفة سن الأعضاء ومستواهم الدراسي وتكوينهم الديني وغيرها من المتغيرات التي رجحت انضمامهم إلى الحركتين المذكورتين، فخلصت الدراسة إلى التقارب الشديد بين سن الأتباع المنتمين إلى الجمعيتين، إذ تعد فئة الشباب سوق انتداب ممتازة بالنسبة للحركات السلفية، بحيث تعمل هذه الأخيرة على توظيف ذلك الانقلاب المفاجئ الذي يتم في الحياة الشخصية للإنسان أوائل البلوغ نحو اتجاه ديني جدي متسم بالحماسة الخلقية الشديدة والمعتقدات اللاهوتية القوية، وذلك من أجل استقطاب الأتباع.

أما على المستوى التعليمي، فقد اتضح أن أغلب أتباع الجمعيتين قد تلقوا تربية دينية، ومن أهم مظاهرها ارتياد المدارس العتيقة ودور القرآن، مع تسجيل خروج نسبي عن هذه القاعدة بالنسبة لجمعية الدعوة، فانسجاما مع هدفها في تبليغ الدعوة إلى العموم، تستقطب جمعية الدعوة نسبة من مريديها المترددين على دور القرآن من أوساط واسعة ليس لهم سوى حظ يسير من التربية، فهم كانوا إما عاطلين عن العمل، أو شبابا يافعين فقراء، أو أرباب أسر حائرين يواجهون آباء فقدوا سلطتهم التقليدية عليهم، ويعبرون عن احتجاجهم بتعاطي الكحول والمخدرات والانحراف، قبل أن يتحولوا بفعل الدعاية السلفية إلى مبشرين ووعاظ هدفهم إرجاع البقية إلى جادة الدين، في حين أن ما يقدمه المعهد التابع لجمعية الحافظ من إمكانية لولوج مستوى الباكالوريا هو الذي يفسر الإقبال عليه أتباع محددون هم طلبة المدارس العتيقة الحافظون للقرآن حصرا، بحيث يمكن اعتبار المعهد جسرا يعبر منه طلبة المدارس العتيقة إلى الكليات النظامية.

أما من حيث المستوى الاقتصادي للأتباع، فقد اتضح وجود حرمان اقتصادي يعانيه أتباع الحركتين، وهو حرمان تواجهه الحركات السلفية بالوعظ الديني، وبذلك فإن هذه الحركات تقوم، في واقع الأمر، بإخفاء الأسباب الحقيقية التي رجحت الإقبال عليها، إنها تقوم بمكافحة الفقر بالمعاني الجمعية التي تتشكل من خلال العيش داخلها، فليس من مصلحة الحركة أن يعي أتباعها طبيعة الحرمان الذي كان في مصدر انتمائهم لها؛ لأنها ستضطر عندئذ إلى وضع حلول عقلانية ودنيوية للتغلب على الحرمان؛ ما سيقضي عليها كحركة دينية، فالحل الديني الذي يتمثل في حالتنا بخطاب الوعظ هو في الحقيقة تعويض عن الشعور بالدونية الاقتصادية أكثر منه مجهودا للتغلب عليها.

وفي الأخير، خلصنا إلى أن كل حركة سلفية تقوم بإشباع حاجيات مختلفة، بحيث تقوم جمعية الدعوة باستقبال أصحاب "النفسيات القلقة"، لتلبي لهم حاجيات الأمن والاستقرار والثقة بالنفس والتحرر من مشاعر الخوف والقلق السائدة لديهم، في حين تعتبر جمعية الحافظ، وبفعل براغماتية أتباعها، مجرد جسر سرعان ما يغادره هؤلاء عند قضاء حاجتهم وهي الحصول على الباكالوريا.

التنظيم وأنماط القيادة عند الحركات السلفية

وفي فصل آخر وقع الاهتمام بقضيتي التنظيم وأنماط القيادة عند الحركات السلفية محل الدراسة، ففي داخل تنظيم جمعية الدعوة وقع التركيز على علاقة القائد بالأتباع لتفسير مسألة التنظيم داخل هذه الجمعية، حيث تبين عمودية العلاقة بين القائد والأتباع، بشكل يجعل كل القرارات تتمركز في يد القائد، وتنعدم فيها مشاركة الأتباع. فما يلفت النظر في هذه الحركة هو وجود قيادة مركزية تغيب فيها تراتبيات السلطة. يتعلق الأمر، إذن، بنوع من القيادة الأتوقراطية التي من سماتها: فرض الرقابة المباشرة على التنظيم، واتخاذ جميع القرارات المهمة، والحرص على ضمان الولاء للقائد.

وبفضل هذا النمط من القيادة يمتلك قائد تنظيم جمعية الدعوة قدرة كبيرة على ضبط المجموعة وجعلها تسير على الإيقاع الذي يريد، ما دام الزعيم يمتلك القدرات لتزويد التنظيم بالموارد المالية والرمزية المتمثلة أساسا في العلاقات التي تساعدها على العمل في أشد الظروف. فتنوع الموارد وتعددها وارتباطها بالقائد هو الذي يحسن مرونية التنظيم، على الرغم مما يرافق ذلك من شخصانية وفردية ولا مؤسسية تنظيمية.

وتسود لدى تنظيم جمعية الحافظ بن عبد البر للعناية بالتراث الإسلامي صورة مخالفة تماما، إذ وضعت نخب هذا التنظيم مبدأ تنظيميا جديدا وهو اللامحورية، حيث تم استبدال مفهوم القيادة المطلقة بمفهوم القيادة الاندماجية التي تقوم على نظام الاعتماد المتبادل، تكون القيادة فيه تعاونية يعمل فيها القائد كخادم للجماعة، فالكل يشارك كأقران في صنع القرارات. كما يتحمل الكل المسؤولية الناجمة عن تلك القرارات؛ ما جعل علاقات السلطة داخل جمعية الحافظ بسيطة لا تترك مجالا لتحكم جهة محددة، وما يجعل قراراتها مطبوعة بالتوفيقية التي تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط نمط توزيع السلطة القرارية داخل التنظيم، ولكن أيضا متطلبات الوضع الاجتماعي العام، ما يعد مؤشرا على قابلية التنظيم للتحول في اتجاه اندماجه داخل محيطه العام.

ولقد كان من غير الممكن ادعاء القيام بمعالجة سوسيولوجية للموضوع دون استعراض مسارات النخب السلفية في مدينة مراكش عن طريق التحليل البيوغرافي، هكذا تم التركيز على شخصيات نموذجية سواء كانت منتمية إلى الحركات السلفية أو كانت مستقلة، وقد تم اكتشاف أنه من الممكن أن تقاس الشخصيات التي شملتها الدراسة على النخب السلفية الأخرى، وذلك نظرا للمسارات المتقاربة لهذه الشخصيات، بالرغم من أن هذه النخب - مثلها مثل الأتباع - قد انتمت إلى التنظيمات السلفية عبر مسارات فردية وليس على أساس قاعدة مشتركة. وفي إطار هذا الفصل تم استعرض القدرات المعرفية والمادية التي تكون رأسمال هذه الشخصيات وتجعلها تتمتع بنفوذ مادي أو رمزي كبير في التنظيمات السلفية داخل المغرب وخارجه.

السلفية والعمل السياسي

وفي الفصل الأخير من القسم الثاني تم توظيف علم السياسة لدراسة العلاقة القائمة بين السلفية والعمل السياسي، لكن افتقاد الخطاب السياسي كان عائقا في وجه دراسة العلاقات السياسية للحركات السلفية محل الدراسة، وزاد من حدة هذا العائق انحسار نشاط هذه الحركات في حلقات التدريس ونشر وتأليف الكتب وغيرها من المناشط المليئة بالوعظ الديني، فما ظل يستقطب اهتمام الحركات السلفية هو الاستقامة الفردية وليس الفعل الجماعي الذي يتوخى أهدافا دنيوية، وهذا ما يجعل منها حركات تزدري السياسة وتبعدها من اهتماماتها لصالح العمل على تكوين طوائف تكون التضامنات الأهلية والجماعية فيها مؤسسة على التجربة الدينية الشخصية وتحقيق الذات بعيدا عن الإعداد والتأهيل السياسيين.

لكن البحث اكتشف أنه إذا كانت السياسة غير موجودة على مستوى الخطاب، فإن ذلك لا يعني غيابها، فهي تنتمي إلى مستوى آخر، مستوى الممارسة اليومية، بحيث يمكن أن نجد بعض مدلولاتها في أشكال العمل اليومية، والطقوس، والتنشئة، والعلاقات الاجتماعية، ولذلك عمل البحث على الكشف عن عناصر الفعل السياسي السفلي في هذه المستويات.

ومن خلال مختلف المواضيع التي تم التطرق إليها في القسم الثاني، خلصنا إلى أن الحركات السلفية التي كانت محل الدراسة هي نوع من الحركات الاجتماعية الدينية الوعظية التي تتبنى فعلا جماعيا يسعى إلى تغيير القيم وتجديد الأخلاق. لكن أنماط عملها تبين حقيقة أخرى، فإلى جانب الدوافع المثالية التي تحرك هذه الحركات، ثمة مصالح نفعية دنيوية تعتبر الأساس المفسر لقدرتها على التعبئة الاجتماعية.

ومما لوحظ على الحركات السلفية أيضا مرورها بمرحلتين مهمتين في سياق تطورها، حيث كانت المبادرات التنظيمية في البداية لا مركزية وغير منسقة وتطبعها التلقائية، حيث لم تكن تتميز إلا بشيء قليل من التنظيم، وانعدام الوضوح في الأدوار والأهداف. وفي مرحلة ثانية، بدأت مرحلة العمل المنظم والبناء الاجتماعي الذي تحددت فيه الأدوار، وتبلورت الأهداف في إطار أيديولوجية متكاملة.

سجلنا أيضا وجود اختلافات في مستويات أداء الحركات السلفية ودرجات فعالياتها؛ وذلك في ضوء الأهداف التي سعت إليها، والآليات التي استخدمتها، والسياق الاجتماعي الذي عملت ضمنه، واللحظة التاريخية التي نشأت فيها أو مرت بها، ولكن الصعوبة الكبرى التي واجهتها، ولا تزال، هي أنها تعمل بعيدا عن الأطر الرسمية للنظام السياسي، بمعنى أنها تفضل العمل من خارجه، لا من داخله، وهي وإن كانت بمثابة قاعدة لانطلاق النقد الاجتماعي وممارسته بشكل فعال، فإنها تظل في أغلب الأحوال تشكل في مجموعها الكلي حركات غير محددة الملامح وغير متجانسة إلى حد كبير، الأمر الذي يؤدي إلى آثار سلبية متعددة منها انكفاء هذه الحركات على ذاتها، وتقليل فعاليتها بصفة عامة وتعرضها للانشقاق المستمر.

فقد شهدت الحركات السلفية محل الدراسة موجات انشطارية متوالية أفضت إلى توزع المعسكر السلفي إلى عديد من الاتجاهات يصل الاختلاف بينها إلى حد التناقض، إذ لم يعد معطف السلفية قادرا على أن يجمع سلفية "جهادية" تدعو إلى الانقلاب على أنظمة الحكم وزلزلة عروشها، وسلفية "تقليدية" و"علمية"، تتبنى الفكر الانسحابي، وتدعو إلى طهارة المعتقد، وعدم منازعة الأمر أهله، فلا يجوز لديها مناكفة السلطان، سواء أكان ذلك بالوسائل الخشنة أم بالأدوات العامة، فكلاهما يشكل في نظرها نزعة خوارجية تتعاكس مع المنطوق السلفي الداعي للطاعة، وعدم شق عصا الجماعة.

وخلصنا أيضا إلى أن التيار الغالب والأكثر انتشارا بين السلفية هو تيار ما يعرف بالسلفية التقليدية (جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة) الذي يركز على قضية تصحيح الاعتقاد ومسائل العبادات، ويليه تيار السلفية العلمية (جمعية الحافظ بن عبد البر) وهو تيار يعتمد على إحياء التراث وتحقيقه وتكوين نخبة علمية سلفية. والتياران يشتغلان دونما أي مقاربة للسياسة جدلا أو اشتغالا، مع تسجيل أن الانتقال سهل وميسور من السلفية التقليدية والعلمية إلى الجهادية لأسباب عدم وضوح فكرة السلفية التقليدية والعلمية من مسألة الجهاد، والفراغ السياسي - رؤية وممارسة - الذي يتركه هذان التياران من خلال ابتعادهما عن السياسة، وعدم وجود تصور للتعاطي لهذه الأمور عند رموز وشيوخ ما يعرف بالسلفية التقليدية والعلمية؛ ما يشجع بعض الأتباع للتحول نحو إطار سياسي يعطي لفكرة الجهاد موقعا في عقيدته.

 

عنوان الرسالة  :    الحركات السلفية في المغرب (1971م - 2004م)
المؤلف  :    عبد الحكيم أبو اللوز
السنة  :    2008
الدرجة العلمية  :    رسالة دكتوراه

 

.

Partager cet article
Repost0
31 juillet 2010 6 31 /07 /juillet /2010 11:27

.

 

الكتاب الذي بين أيدينا من أحدث الكتابات في هذا العصر التي تسعى لتقديم تفسير علمي لبعض المراحل والوقائع في تاريخنا الإسلامي. وقد حاول مؤلفه الدكتور محمد عابد الجابري أن يقدِم تفسيرا وتحليلا عصريين غير مسبوق إليهما لمحنة ابن حنبل في الشرق الإسلامي، ونكبة ابن رشد في الغرب الإسلامي، إذ بينما ظلت تفسيرات هاتين الحادثتين وتحليلاتهما دائرة في فلك علم العقيدة، فإن صاحب الكتاب عَنِيَ بالدعوة إلى إخراجهما من هذه الدائرة الموروثة، وذلك لأن تلك التفسيرات والتحليلات السابقة لا تتوافر على أي تفسير معقول يمكن للعقل الناقد تقبله والنـزول عنده.

إن إضفاء المعقولية السياسية على هاتين التاريخيتين أمر في غاية الأهمية في الوقت الحاضر، سعيا إلى التوصل إلى فهم عصري مكين لعلاقة الديني بالسياسي في تاريخنا الإسلامي من جهة، وما تحمله الشعارات "الدينية" في كل عصر من معان وغايات سياسيّة مستبطنة من جهة أخرى.

وقد وزع المؤلف مباحث الكتاب على مقدمة، وثلاثة فصول رئيسة. أما المقدم، فقد خصصها للتعبير عن الشعور الذي انتابه عندما همَّ بتأليف هذا الكتاب كما أورد فيها عرضا لجلة من التساؤلات المنهجيّة حول شخصية الفرد المثقف، والأدوات العلمية المؤهَّلة لتحصيل مكانة المثقف في المجتمعات مؤكِّدا ضرورة كون المثقف إنسانا مفكرا داخل مرجعية سابقة، إن كان معارضا أو مكرِّرا أو مدافعا.

من هو المثقف ؟

وأما الفصل الأول، فقد تطرق فيها إلى الحديث عن المثقفين في الحضارة الإسلامية، وحاول أن يؤرِّخ لظهور كلمة المثقف في الثقافات الأوروبية التي هي مصدر الدلالة المعرفية لكلمة المثقف في العصر الراهن. وفي هذه الأثناء استحضر المؤلف مفهوم الفيلسوف الماركسي الإيطالي غرامشي للمثقف الذي يؤكّد أن المثقفين لا يشكّلـون طبقة مستقلة، وأن كل مجموعة اجتماعية لها مثقفوها الخاصّون، وظيفتهم هي القيام بقيادة المجموعة وتحقيق الانسجام داخلها. وهذا المفهوم الغرامشي مفهومٌ ذو خليفة عقدية (=ماركسية)، ولذلك، فإنه لا يصلح للاعتماد عليه في تحديد معنى المثقَّف حسب تصور المؤلّف، وبدلا منه مال المؤلف إلى القول المؤلف إلى القول بضرورة الرجوع إلى الجذر اللغوي لهذه الكلمة، الذي لا يتضمن الإشارة من قريب أو بعيد إلى الدلالة المعرفيّة المعاصرة لهذا المصطلح، وهي دلالة أرجع المؤلف تلبس المصطلح بها إلى القرن التاسع عشر الميلادي، مؤكّدا أن تلك الدلالة فرنسية المنشأ، إن كلمة intellctual مشتقة من كلمة intellect، وتعني العقل أو الفكر. وعندما يستعمل وصفا لشيء فإنه يدل على انتماء ذلك الشيء وارتباطه بالعقل بوصفه ملكة للمعرفة، وعندما يستعمل اسما يراد به الشخص الذي لديه ميل قوي إلى شؤون الفكر وشؤون الروح. وأما الأحداث التاريخية التي مهَّدت لتحميل المصطلح هذه الدلالة، فإن المؤلّف أرجعها إلى حادثة اتهام ضابط فرنسي في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي بتهمة التجسس لصالح ألمانيا، وصدور حكم بسجن هذا الضابط بسبب هذه التهمة، غير أن عائلته وأصدقاءه زيفوا هذه التهمة عن طريق تجنيد شخصيات فكرة وأدبية مرموقة لمعارضة ذلك الحكم بإصدار بيان في جريدة (لورور) يحمل توقيعاتهم ومعنون بـ"بيان المثقفين Manifeste des Intellectueles. وما أن ظهر العدد الذي يحمل بيان أولئك حتى انقسم الرأي العام إزاء هذه القضية إلى تجمع جمهوري مطالب بإعادة المحاكمة، وإلى وطنيين معارضين لإعادة المحاكمة، وفي النهاية انتصر التجمع الجمهوري، وأعيدت محاكمة ذلك الضابط، فبرئ من تلك التهمة.

ومنذ ذلك الحين يمكن القول بأن دلالة مفهوم المثقف غدت تطلق على أولئك الذين يحملون آراء خاصّة بهم عن الإنسان والمجتمع، ويقفون موقف الاحتجاج والتنديد إزاء ما يتعرض له الأفراد والجماعات من ظلم وعسف من السلطات أيّا كانت سياسية أو دينية. فالمثقف بناء على ذلك ناقد اجتماعي يعمل على المساهمة في تجاوز عوائق النظام الاجتماعي، وهو ضمير المجتمع الحيّ، ولكنه –لدى السلطات- مثير للعراقيل والفتن، وخيالي طوباوي بل ميتافيزيقي.

المثقفون عبر التاريخ

وتحدث المؤلف عن ظهور المثقفين في أوروبا في القرون الوسطى، وأشار إلى أثر الثقافة الإسلامية في إعداد أولئك المثقفين عبر التاريخ الأوروبي، بيد أن ذلك الأثر لم يحظ بدراسة علمية واعية، ثم انتقل المؤلف إلى الحديث عن موقع الإنسان المثقف ضمن الشبكات التي كان يتحدَّد موقع الفرد عبرها في التاريخ الإسلامي، والتي كانت كالآتي: الراعي/الرعية، الخاصة/ العامة، العطاء/الخراج، العقيدة/ القبيلة، البدو/الحضر. وانتهى إلى القول بأن المثقف فرد من الرعية.

ولقد حاول المؤلف أن يؤرِّخ لظهور المثقفين في تاريخنا الإسلامي، فانتهى إلى القول بأنهم ظهروا خلال ثلاث فترات، أولاها: حيث كان ظهورهم متمثلا في طائفة المرجئة في حادثة مقتل أمير المؤمنين عثمان، وثانيتها: ظهورهم في طائفة (أو فرقة) الواقفية عندما تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية، وثالثتها: ظهورهم في فرقة المعتزلة عند ظهور الخلاف في مصير مرتكب الكبيرة.

وأوضح المؤلف أنهم اتسموا عبر التاريخ بالتسامح والمرونة وتجنب الغلو والتطرف، فضلا عن تأكيد حرية الإنسان وإقرار مسؤوليته. وموقف المثقفين من قضية القول بخلق القرآن خير دليل على ذلك، إذ إن القول بالجبر اتخذته الدولة الأموية سلاحا في وجه المخالفين، لكونه مرتكزا على الإيمان بأزلية العلم الإلهي، ولما كان كلام الله (سبحانه وتعالى) (= القرآن الكريم) تعبيرا عن علمه – جلَّ شأنه - فإن ذلك يعني أنه أزليٌّ قديم، وذلك ما لم يرتضه المثقفون (= المعتزلة) وذلك على العكس من ذلك إلى أن القرآن مخلوق.

وانتهى المؤلّف من هذا التحليل إلى القول بأن القول بخلق القرآن ردٌّ على الوجود الأموي القائم على ضرورة القول بالجبر الذي مفاده أن كل ما فعله بنو أمية كان بسابق علم الله (سبحانه وتعالى)، وبمقتضى قضائه وقدره، وبالتالي، فقد كانوا مجبرين لا يتحملون شيئا من مسؤولية أعمالهم ولا يدخلون جهنم بجرائرهم.

وقرر المؤلف في نهاية حديثه عن تاريخ ظهور المثقفين في الحضارة الإسلامية أنه ابتداءً من القرن الرابع الهجري، لم تُحظ الساحة الإسلامية بظهور مثقفين حقيقيين، وإنما ظهرت أجيالٌ من مثقفين تميزوا من سابقيهم باستهلاكهم الثقافة، وبترويجهم إياها بدلا من ربطها بقضية اجتماعية أو سياسية.

 

ابن حنبل ومحنته

ثم انتقل المؤلّف إلى الفصل الثاني محاولا إيجاد نموذج يصدق عليه وصف المثقف بالمعايير التي سبق الحديث عنها، وحاول في هذا الفصل أن يؤكّد أن ظهور الخلاف في مستهل القرن الثالث الهجري حول كون القرآن الكريم كلام الله أو مخلوقا، قد مهَّد لظهور المثقفين الذين كان رائدهم أحمد ابن حنبل – رحمه الله- الذي كان يمثّل – في رأي المؤلف- الجماعة المثقفة الناقدة الاجتماعية، بيد أن تحليلات السابقين لأحداث هذا الخلاف ظلت ولا تزال مفتقرة إلى المعقولية السياسية. وأكد منذ بداية هذا الفصل أن محن العلماء في طبيعتها محن سياسية لا محالة، وذلك لأن المحنة تعني الاضطهاد والإرهاب الذي يتعرض له صاحب الرأي من ذوي النفوذ والسلطان، فالعالم يمتحن لكونه يمتلك سلطة التحدث باسم الدين، ولكونه يحظى بمساندة العامة (= الجماهير الشعبية) التي تشكل خطرا فعليا على مستقبل الحاكم ودولته، إذ إن تلك المساندة قد تتحول إلى ثورة أو انتفاضة ضدَّه. والعالم الذي يخلّد التاريخ ذكره هو ذلك الذي يصمد أمام صنوف التعذيب والاضطهاد مما يجعله في نهاية الأمر خليقا بلقب "البطل"؛ وأما العالم الذي يتراجع، ويتلكأ، فإنه يفقد شعبيته، وتذوي ذكراه.

وبناء على هذه المقدِّمة، فإن المؤلف توصل إلى القول بإن محنتي ابن حنبل في المشرق الإسلامي وابن رشد في الغرب الإسلامي محنتان سياسيتان. أما محنة ابن حنبل، فإنها – تاريخيا - تعود إلى عام 218 عندما أمر الخليفة العباسي عبد الله المأمون عامله إسحاق بن إبراهيم بامتحان القضاة والمحدثين حول كون القرآن مخلوقا أو قديما (كلام الله)، فأرسل إليه خطابا يتضمن الإشارة إلى عظم خطر المعارضين للقول بخلق القرآن على الحياة العامة، وتأثيرهم في أغلبية الشعب. والأخطر من ذلك أن بعض أولئك من كبار الموظفين في الدولة، الأمر الذي أرَّق مضجع الخليفة، وجعله يلحُّ على عامله بالسهر على تطبيق أوامره وتعليماته في جميع الأقاليم التي تحت ولايته. والأغرب من هذا كله أن الخليفة المأمون بادر بالكتابة ثانيا إلى عامله طالبا منه اعتقال سبعة من رجال العلم في بغداد، ولكن الإمام أحمد بن حنبل لم يكن ضمن قائمة الذين أمر الخليفة باعتقالهم وإرسالهم إليه فورا للاستجواب والاستنطاق، وعندما وصلت المجموعة المطالبة بالمثول أمام الخليفة إلى مجلسه، استجوبوا، فتراجعوا وانصاعوا لرأي الخليفة. ولئن خلا الخطاب الثاني للمأمون من اسم الإمام أحمد في القائمة صراحة، فقد تضمنه بطريقة غير مباشرة لأنه طالب بامتحان جميع المحدِّثين والقضاة والموظفين في الدولة، وقد كان الإمام أحمد من كبار المحدّثين، مما جعل عامل المأمون يناديه ويستجوبه، وتمسك الإمام أحمد برأيه وموقفه المتمثل في قوله: "هو كلام الله لا أزيد عليها". وبعد استجواب جميع القضاة والمحدثين صمد أربعة من أهل العلم منهم الإمام أحمد، وأُبلغ المأمون بهذا الخبر، فأمر باعتقالهم وإرسالهم إليه في أسرع وقت ممكن، وبعد استجواب متكرر وتعذيب مروِّع تراجع اثنان، وظل الإمام أحمد ومحمد بن نوح على موقفهما، فاعتقلا وحملا حيث معسكر الخليفة، وفي أثناء سيرهما هلك المأمون بعد أن ترك وصيّة لأخيه وخليفته (العسكري التكوين) المعتصم افتتحها بالتأكيد على القول بخلق القرآن وحمل الناس عليه بقوة السيف لا بقوة القلم، ومواجهة خطر الخرمية في بلاد فارس.

وقد لخّص المؤلف أعمال المعتصم طيلة مدة خلافته التي دامت ثماني سنوات وثمانية أشهر، في تحقيق مضمون وصية أخيه التي تتضمّن مواجهة خطرين يهدِّدان أمن الدولة: أولهما خطر المعارضين للقول بخلق القرآن، وثانيها خطر الخرمية، وأفنى المعتصم حياته في تحقيق هذين الأمرين، فحارب الخرميين وهزمهم، وقتل قائدهم بابك. وأما الخطر الإيديولوجي، فقد سلك معه نهجا أكثر تشدّدا من نهج أخيه المأمون. وبما إن رفيق الإمام أحمد في محنته، محمد بن نوح قد وافته منيته قبل وفاة المأمون، فإن الإمام أحمد بقي هو الوحيد الذي يهدّد أمن الدولة، ولذلك، لم يتوان المعتصم عن استنطاقه واستجوابه بنفسه، وتعرض لوابل من اللعنات والضربات التي أفقدته وعيه، فأغمي عليه، ثم ترآى للمعتصم أن الاستنطاق والاستجواب لا يفيدان في تغيير موقف ابن حنبل، فآثر إطلاق سراحه، والإبقاء عليه تحت إقامة إجباريّة طيلة بقية عهد المعتصم، ومنعه عن الحديث في المجالس العامة. حتى إذا ما هلك المعتصم سنة 227وعهد بالخلافة إلى ابنه الواثق بالله، فإذا به يتصدى لتحقيق ما عجز أبوه عن تحقيقه إزاء الخطر الأيديولوجي، فطفق يوسِّع نطاق المحنة لتشمل البصرة ومصر وغيرهما، برزت هنا طرقٌ للنجاة من هذه المحنة ابتكرها بعض العلماء عن طريق التحايل، والتمويه. وإن سئم أهل بغداد من هذه المحنة، فإن مجموعة منهم راودهم إعلان الثورة. واتصلوا بالإمام أحمد الذي رفض الاشتراك في هذه الثورة، وتمرُ الأيام، فإذا بالمحدّث أحمد بن نصر الخزاعي يتعرض فجأة للاستجواب، والاستنطاق على يد الخليفة الواثق الذي لم يتمالك نفسه أثناء الاستجواب، فأخذ صمصامة ودعا بنطعٍ فضرب ابن نصر الخزاعي على رأسه، فأرداه قتيلا. ولم يتوقف تعامل الواثق مع الخطر الإيديولوجي عند هذا الحدّ، وإنما جعل القول بخلق القرآن شرطا أساسيا في فداء أسرى المسلمين من الروم عندما همّ بتبادل الأسرى مع الروم.

وهكذا استعرض المؤلّف هذه المحنة كما توردها المدونات التاريخية، ثم حاول أن يحلّلها تحليلا يضفي عليها المعقوليّة السياسيّة، فأشار إلى ضرورة تفهم هذه المحنة تفهما حياديا، وضرورة وضعها في إطارها السياسيّ سعيا إلى إبراز العلاقة بين امتحان القضاة والمحدثين والشعار الذي نفذ باسمه ذلك الامتحان. وأكّد المؤلّف إن الصراع بين أطراف المحنة ظلّ صراعا على السطح بتواطؤهم جميعا، إّلا إن أمراء المحنة وظّفوا الشعار الدينيّ (= تحريم القول بأن القرآن كلام الله) لضرب المعارضة السياسية، كما أن المعارضة السياسية وظّفت هي الأخرى الشعار الديني (= القول بأن القرآن كلام الله)، ولم يكن من مصلحة الممتحنين التصريح بأن الهدف هو معارضة الدولة وتعبئة الناس ضدّها. وليبرهن المؤلف على كون هذه المحنة سياسيّة، عُني بالحديث عن ملابساتها التي تمثلت في وقوف من امتحنوا في صف محمد الأمين في صراعه مع أخيه عبد الله المأمون على السلطة. وبما أن ذلك الصراع حسم لحساب المأمون الذي لم يغفر لبغداد وأهلها وقوفهم في صف أخيه ضدّه، فإنه فتح المجال –عشية انتصاره- للفوضى واللاأمن أن ينتعشا في أرجاء بغداد لمدة ست سنوات. وفي هذه الأثناء تطوع جماعة من المحدثين والفقهاء على رأسهم ابن حنبل للعمل على استعادة الأمن ومحاربة المجرمين، والقضاء على بؤرة الفساد والتخريب. حتى إذا ما قويت شوكة هذه الجماعة، استشعر المأمون خطورتها إذ أصبحت تسيطر على الرأي العام في بغداد. غير إنه لم يكن في مقدوره مواجهتهم مباشرة، فحاول –حسب تصور المؤلف- توظيف الديني (=كون القرآن مخلوقا) من أجل السياسي (=ضرب تلك الجماعة باسم الدين لا باسم السياسة). ويضيف المؤلف قائلا بأن هذه الجماعة غدت تبدي تعاطفها مع بقايا الأمويين الذين نبشت قبور موتاهم واستهزئ بجماجمهم وعظامهم. وعليه، فإن قرار المأمون في امتحان المحدثين والقضاة قرار سياسي كان يهدف إلى قمع حركة معارضة آخذة في التنامي والتمكن.

وأخيرا، تطرق المؤلف إلى القول بإن تغيير الخليفة العباسي المتوكل على الله سياسة أخيه وأبيه وجدّه في هذه القضية خير برهان على كون هذه المحنة محنة سياسية، وأعاد سبب ذلك التغيير إلى إحساس المتوكل بتزايد نفوذ القواد الأتراك في القصر، الأمر الذي يشكل في طبيعته خطرا محدقا بالخلافة العباسية عامة. ولذلك، فإنه مال إلى فتح ملف مصالحة مع جماعة المطوَّعة، وأبعد المعتزلة عن البلاط –حسب رأي المؤلف- طمعا في كسب الجماعة الأولى. بيد إن هذه التدابير لم تصمد أمام رغبة الأتراك في الاستيلاء على الحكم، وتحقق لهم ذلك عندما استعانوا بابن المتوكل فقتل أباه، ثم تخلص منه الأتراك لاحقا.

ويختم المؤلف حديثه في هذا الفصل بتأكيد توظيف السياسي الديني من أجل مآربه في عهدين متباعدين ومتعارضين، فبينما كان القول بخلق القرآن خطرا ومفضيا بصاحبه إلى الهلاك في العهد الأموي، يجد المرء أن عدم القول بخلق القرآن يفضي بصاحبه في العهد العباسي إلى الهلاك والفناء، وتلك هي مأساة الديني عندما يوظّف لتحقيق مآرب السياسي. ويشير المؤلف إلى أنه لا ينبغي تحميل المعتزلة وزر خلفاء المحنة، فالمعتزلة نخبة مثقفة "ليبرالية تنويرية" استعملتها الدولة أدوات للسيطرة والهيمنة، كما استعانت الدولة الأموية قبل ذلك بكثير من المحدثين والفقهاء لضرب معارضيها من الشيعة والخوارج. وعليه، فإنه يمكن القول بإن علاقة المثقفين بالسلطة بالأمس _معتزلة وأهل سنة) أشبه بعلاقة المثقفين بالسلطة اليوم (سلفيين أصوليين وعصريين حداثيين). وأما جوهر العلاقة، فهي في الماضي والحاضر التناوب على خدمة سيطرة الدولة وهيمنتها.

ابن رشد ونكبته

وهكذا يختم المؤلف حديثه عن محنة ابن حنبل، لينتقل في الفصل الأخير من الكتاب إلى الحديث عن نكبة ابن رشد المشابهة في بعض جوانبها لمحنة ابن حنبل، ويستهل المؤلف حديثه عن هذه النكبة بالتنبيه على أن هدفه من دراسة هذه النكبة تقديم تفسير لها يتطابق مع طبائع العمران/وطبائع الاستبداد، فالاستبداد واحد سواء كان استبدادا جاهليا – حسب تعبيره- كاستبداد الحجاج بن يوسف. وأما علاقة ابن رشد بالموحدين، فتعود إلى ذلك اليوم الذي قدّمه فيها ابن طفيل إلى مؤسس الدولة الموحدية أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ليتولى مهمة ترجمة كتب أرسطو وشرحها نـزولا عند رغبة الخليفة في تقريب أغراض تلك الكتب إلى أفهام الناس ومداركهم. وقد أعجب الخليفة بذكاء ابن رشد وفطانته ورسوخ قدمه في الفلسفة، فعينه قاضيا على إشبيلية، ثم على قرطبة، فضلا عن عمله طبيبا خاصا للخليفة بعد وفاة ابن طفيل. وقد وفّق ابن رشد إلى تأليف جملة من كتب الفلسفة، مما زاده حظوة في بلاط الخلفة. وعندما توفي الخليفة وخلفه ابنه المنصور في الحكم، احتفي بابن رشد مثل احتفاء أبيه به، بيد إنه بعد مضي ثلاث عشرة سنة على تلك العلاقة الحميمة بين الخليفة وابن رشد، تحوّلت إلى نكبة ذاق ابن رشد من ويلها الكثير. ففي عام 593ﻫ عمَّم الخليفة منشورا أدان فيها ابن رشد وجماعة معه، ووسمهم بالشرذمة وشبههم بالسموم السارية في الأبدان، وأمر بإحراق كتبهم، وإتلافها. ولم يكتف الخليفة بهذا، وإنما زجَّ بهؤلاء الجماعة في غياهب السجون.

يرى المؤلف أن السبب الحقيقي وراء قلب الخليفة الموحدي ظهر المجن لابن رشد ظلَّ ولا يزال لغزا لمّا يُضف عليه شيءٌ من المعقولية السياسية، ولئن ذهب قوم إلى القول بأن سببه يكمن في تأويل نصوص أو عبارات صرف معناها إلى أسوأ مخرج، فإن فقيها بمنـزلة ابن رشد ما كان ليتورط في شأن كهذا، بل لا يعقل أن يتجشَّم خصوم ابن رشد أعباء السفر من قربة إلى مراكش لإبلاغ الخليفة بهذا الأمر. وإن خمَّن بعض سبب النكبة فيما ورد في بعض كتب ابن رشد من وصف الخليفة الموحدي بملك البربر، فلم تكن المسألة سوى خطأ في النسخ كان بإمكان ابن رشد تداركه بالقول بإنه قصد ملك البرَّين كما كان يوصف ملوك الموحدين: ملك بر المغرب وبر الأندلس. وهكذا، يردُّ المؤلف كل ما ضمته الكتب القديمة من ذكرٍ لسبب نكبة ابن رشد وجماعة الأعيان، ليخلص إلى القول بإن ثمة تهمة سياسية هي التي حرَّكت الخليفة ودفعته إلى محاكمة ابن رشد وجماعة الأعيان، وفرض الإقامة الإجبارية عليهم. ويرى المؤلف أن هذه التهمة إما أن تركّز على نصوص لابن رشد، وعندئذ يجب النظر في كتابه الموسوم بـ "جوامع سياسة أفلاطون"، أو تكون مبنية على علاقة ابن رشد مع أحد الأطراف السياسية. وعندئذ يجوز القول بأن سبب النكبة عائدٌ إلى العلاقة المشبوهة التي كانت بين ابن رشد وبين أخي الخليفة ابن يحيى الذي كان راغبا في الانقلاب على أخيه.

وأما السبب الأول السياسي العلمي فيرجّح المؤلف أن يكون لبعض ما ورد في كتاب جوامع سياسة أفلاطون علاقة بنكبته، وغضب الخليفة عليه، وخاصة إن هذا الكتاب تضمن قضايا مثيرة في السياسة والمرأة، إذ يكاد ابن رشد يقرُّ ولاية المرأة وحكمها كما قرَّر افلاطون، كما تحدَّث ابن رشد في الكتاب عن الواقع السياسي في الأندلس، وأطنب في الحديث عن مزايا الحكم الجماعيّ وفضله على الحكم الفردي الطغياني، فضلا عن حديثه عن تصرفات الحاكم المستبد وتجاوزاته، وما ينجم عن ذلك من سخط العامة عليه وعلى حكمه. ولا يتردد ابن رشد في المقارنة بين شعراء سوء يمدحون الطغاة والحكام المستبدين في جمهورية أفلاطون بشعراء سوء في الواقع الأندلسي يسلكون المسلك ذاته. وقد تجاهل ابن رشد في كتابه أي ذكر للخليفة الموحدي إن إشادة أو غير ذلك، وأكبر من ذلك إنه أهدى كتابه إلى شخص ذي مكانة ومنـزلة مرموقة لم يبح باسمه.

وأما السبب السياسي الآخر الذي افترضه المؤلف، فيتمثل في علاقته المشبوهة بأخي الخليفة والي قرطبة. وقد حاول المؤلف أن يثبت هذا السبب السياسي بأن الشخص الذي أهداه ابن رشد كتابه هو أخو الخليفة، ويشير المؤلف إلى جملة من المؤامرات التي طالبت الخليفة المنصور من أعمامه، وإخوته، وقد نكل بجميع المتآمرين.

وأيّا ما كان الأمر، فإن المؤلف يخلص إلى القول بإن نكبة ابن رشد والأعيان معه ترجع إلى ما نسب إليه من أمور ذات طبيعة سياسية، وما ورد في كتابه جوامع سياسة أفلاطون من انتقاد للأوضاع في الأندلس هي التي أكّدت الشكوك حول علاقته بأبي يحيى أخي المنصور الذي كان الاستيلاء على الحكم يراوده بين الفينة والأخرى. ولئن ذهب آخرون إلى ربط سبب النكبة بآراء رشديّة في الدين، فإن ربطا كهذا لا يعدو أن يكون تسطيحا لا نصيب له من الحقيقة. ويختم المؤلف كتابه قائلا أنه كان الخليفة العباسي المأمون غلّف محنة ابن حنبل بغلاف إثبات الشريك مع الله، فإن الخليفة المنصور هو الآخر – مع الفارق الزمني العميق- تذرّع بذات الوسيلة نفسها في مواجهة ابن رشد وأعيان الجزيرة معه، فالجامع بين المحنتين هو الشرك في السياسة، ويعاقب عليه الحاكم باسم الشرك في الألوهية!

وأخيرا. . رأي ورؤية

بعد هذا الاستعراض لأهم الأفكار الواردة في هذا السفر القيّم، فإنه من الإنصاف القول بأن مؤلفه قد تميز بسلاسة العبارة، وقوة البيان، والقدرة على أسر القارئ وإقناعه بما توصل إليه من تحليل وتفسير لهاتين المحنتين. بيد أنه قد عنت لنا جملة من الملاحظات المنهجية والموضوعية التي يجدر عرضها أملا في أن يسهم في تنشيط حوار علمي دعا إليه المؤلف ذاته:

§ غلبة اتباع المنهجية التطويعية الانتقائية في تحليلات المؤلف، إذ إنه عمد إلى انتقاء جملة من المعلومات التاريخية التي تعضد وجهة النظر التي يتبناها، ولذلك، لا غرو أن يجده المرء ينـزع إلى التصرف المخلّ في المعلومات التاريخية المنقولة بحذف فقرات يخيّل إليه كونها غير خادمة لما يريد تحقيقه من النتائج، ولا شك أن صنيعا كهذا ينطوي على نـزعة تبريرية أكثر منها أن تكون علميّة مقبولة. وقد كان ينبغي للمؤلف أن يسرد النقولات، ويستنطقها، ولا يتخذ اختصارها واختزالها منهجا غالبا في النقل. ونظرا إلى هذا المنطلق الاستدلالي نجد أن المؤلف ضمن لنفسه منذ البداية النتيجة التي كان يريدها، ولذلك، فقد انتقى جملة من المقدمات التي تقوده بحتمية المنهج وصرامته إلى النتيجة التي تبناها ابتداء سواء في المعقوليّة السياسية التي أضفاها على محنة ابن نبل، أو على نكبة ابن رشد.

§ إن ميل المؤلف إلى القول بأن ظهور المثقف عبر التاريخ مرهون بظهور الخلاف ذي الطبيعة السياسية في أكثر الأحيان مفتقر إلى دليل علمي مساند، وخاصة أن نكبة ابن رشد التي أوردها لم يسبقها ظهور أيّ خلاف البتة، إذ لم تكن ثمة قضية سياسية يختلف حولها، الأمر الذي يجعل المرء في حِلٍّ من قبول هذه الدعوى غير السديدة. وفضلا عن ذلك فإن الحادثة التي اتخذها المؤلف أصلا لإثبات هذه المقولة لا تدلّ في صميمها على خلاف جوهري في السياسة، وعلى فرض اعتبارها خلافا في السياسية، فإنها وحدها لا تكفي لإثبات قاعدة عريضة كهذه، فقد كان حريا بالمؤلف البرهنة عليها عبر جملة من الحوادث، وهو ما لم يحصل، وإنما عمد إلى إسقاط القاعدة على محنتي ابن حنبل وابن رشد دونما برهان ولا حجة مقنعة، ومع وجود الفارق الجذري بينهما وبين القاعدة الأصل.

§ ثمة خلل منهجي خطير ينبغي الإشارة إليه، وهو قلة المصادر التي اعتمدها المؤلف، ففي محنة ابن حنبل اتخذ المؤلف تاريخ الطبري مصدرا لسائر التأويلات والتخريجات التي ذهب إليها، ولم يتجاوزه – تقريبا- إلى أي مصدر تاريخي آخر سابق أو لاحق، بل لم يترك هذا الكتاب في أكثر الأحيان يعرض المحنة بصورة مكتملة، وإنما كان الانتقاء، والاختزال هما القاعدة، الأمر الذي يوحي إلى القارئ يكون الإمام الطبري إما أصلا للمعقولية السياسية التي أضفاها المؤلف على المحنة، أو مؤرّخا ذا أفق ضيّق لم يكن يعي في كثير من الأحيان المعلومات التاريخية التي ضمّنها كتابه. وقد كان حريا به أن يبوح بهذه المعقولية التي اتّقدت في قريحة الدكتور الجابري في مشارف القرن الحادي والعشرين وجهلها الطبري أو تجاهلها.

§ إن النتيجة التي توصل إليها المؤلف انبنت – كما سبق أن ذكرنا- على نهج انتقائي للنصوص المتعلقة بهذه المحنة، وكان حريا بالمؤلف ألا يتبع مثل هذا المسلك. وإذا قبل القارئ من المؤلف أن ينتقي من مناهج البحث العلمي ما يروقه ويحلو له، فإن من حقه ألا يقبل منه أسره إياه بجملة من المعلومات المختزلة المنـزوعة من سياقها، ثم تعميمها تعميما لا مسوغ علميا له. فالمؤلف أورد في خضم الحديث عن أول خطاب بعثه المأمون لاستجواب القضاة ورجال الدولة أن اسم ابن حنبل لم يكن مدرجا في ذلك الخطاب، الأمر الذي يمكن تفسيره بأحد الأمرين: أولهما أن يكون ابن حنبل غير مقصود بهذه المحنة، إذ إنه لم يكن قاضيا، ولا صاحب منصب سياسي، أو أن يكون ابن حنبل في ذلك العصر رجلا كثير التنقل والسفر بحثا عن الحديث النبوي... ولكن المؤلف لم يشر إلى أيٍّ من هذين الاحتمالين، بل عرض هذا الأمر دونما تعليق عليه. ومن حقي بوصفي قارئا معجبا بتحليل المؤلف أن أطالبه بضرورة الاهتمام بحياة ابن حنبل السياسية قبل المحنة وإيفائها ما تستحق من التوضيح والتفصيل، ومن حقّ أي قارئ أن يتساءل عن المواقع السياسية التي كان يحتلها غير القضاة الذين امتحنوا في المحنة كالقوارير وسجادة ومحمد بن نوح، وغيرهم كثير. صحيح إن تشكيلة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت تشكيلة محدّثية، ولكنه صحيح أيضا إن الحديث في السياسة وعن الساسة لم يكن رائجا لدى كل المحدّثين، فابن حنبل كما ذكر المؤلف نفسه (ص 83) رفض الانضمام إلى المجموعة التي ساورتها نفسها بالشغب (= التمرد السياسي).

§ إن المؤلف لم يحاول أن يضفي شيئا من المعقولية السياسية على تراجع المعتصم عن قتل ابن حنبل بعد أن كان قتله يراود جميع حواشيه، ولكن المعتصم رأى إعادة ابن حنبل إلى منـزله، ومنعه من الحديث إلى العامة. وأما الواثق الذي كانت السطوة والجبروت سجية في طبعه، والذي كان عدم القول بخلق القرآن –في نظره- معادلا للخروج المسلح على خلافته، فهو الآخر اكتفى بإرسال برقيات تحذير إلى ابن حنبل، الأمر الذي تجاوزه المؤلف وأغفله، ولم يضف عليه شيئا من المعقولية السياسية التي يريد أن يفسر بها وقائع التاريخ.

§ إن تجلية الجانب السياسي والممارسات السياسية والموقع الذي كان يحتله ابن حنبل قبل المحنة أمرٌ ضروري لقبول النتيجة التي انتهى إليها المؤلف، وما لم يُجل ذلك الجانب المهم، ويكشف عن كوامنه، فإن أي تفسير سياسي للمحنة يظل جملة من الاحتمالات التي لا ترقى إلى درجة الصحة واليقين. ولعلّ مراوحة المؤلف حول تاريخ الطبري هي التي جعلته مستعجلا الوصول إلى النتيجة التي يحّدها ابتداء لهذا البحث. وما ذهب إليه المؤلف حول موقف أهل السنة والجماعة من الأمويين، حيث انتهى إلى القول بإن عددا من رجالات أهل السنة أظهروا التعاطف مع الأمويين، والترحم عليهم، سعيا إلى إغاظة العباسيين، وتحريك الشارع ضدهم، وهذا أمر بحاجة إلى الإثبات، ولا يكفي أن يعنى المؤلف بتأويل عبارات مأثورة عن ابن حنبل تأويلا تطويعيا، لينطلق منه في تقرير هذه المعلومة، إذ إن من المعلوم إن علماء الحديث والفقه كانوا في طليعة الجماعات التي قاومت الحكم الأموي ورفضته. فموقف سعيد بن جبير الذي أورده المؤلف على عجل (69) من الحكم الأموي خير شاهد على ذلك، بل إن موقف سعيد بن المسيب من الخليفة الأموي عبد الملك الذي أورده المؤلف دونما انتباه (70) هو الآخر برهان على مقاومة المحدثين للحكم الأموي. وقد أثر عن كثير منهم جملة من العبارات الدالة على سخطهم على الحكم الأموي، فإنى يكون لهم كل تلك المواقف أثناء الحكم الأموي ثم يصنفهم المؤلف في زمرة كانت تكنّ التعاطف وإعادة الاعتبار للأمويين؟ إن النص الذي أورده المؤلف عن ابن حنبل، وفهم منه أن يكون بنو عباس مقصودين به سياسيا فهم تطويعي غير سديد، وعليه، فإن كان ثمّ تغيُّر في موقف المحدثين من الأمويين بعد زوال ملكهم، فلا ينبغي أن يحمَّل نص ابن حنبل ما لا يحتمل، وخاصة إنه ليس ممن عاصر الخلافة الأموية ولا عانى منها شيئا، وإنما صدر عما كان يؤمن به، ويراه صوابا بغض النظر من أن يكون ذلك سبيلا لإرضاء الأمويين، أو إغضاب العباسيين.

 

 

عنوان الكتاب  :    المثقفون في الحضارة العربية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد
المؤلف  :    محمد عابد الجابري
الناشر  :    مركز دراسات الوحدة العربية
المدينة  :    بيروت
السنة  :    2000
صفحات  : 165

 

.

Partager cet article
Repost0

Sites partenaires

Rechercher

Whos Amung Us

مقالات مختارة للكاتب من موقع الحوار المتمدن

مدونة #مالك_بارودي

Texte Libre

Translate this with Google